الثلاثاء، 3 يناير 2012

أمن قومى الحلقة الرابعة تعليمات القاهرة


أمن قومى
الحلقة الرابعة

تعليمات القاهرة
كانت أول مامورية أكلف بها بعد الزواج فى غاية الصعوبة ،ففى البداية كان الأمر يخصنى وحدى أما الأن أصبح على أن أخفى أشياء عن شريكة حياتى ، فكانت الصعوبة ليست فى أدائى المهمة ، لكن فى إخفاء طبيعة عملى عن شريك حياتى الذى يرافقنى فى كل خطوة .
كانت معلومات"مريم" رائعة فدراستها للتاريخ لم تقتصر فقط على تاريخ بلدنا الحبيية "مصر" و لكنه إمتد ليشمل تاريخ العالم كله . و كانت لها مقولة أعشقها لها "لولا معرفة التاريخ لما أمكن بناء المستقبل" .
أعشق زوجتى الجميلة . أعشق شخصيتها ، عقلها ، فكرها ، أنوثتها ، ثقتها فى نفسها ، ثقافتها العالية ، و روعة إحساسها حيث تؤكد على شخصيتها و تحترم كيانى فى ذكاء أنثى فطّنة تعلم كيف تسيطر على كل شئ بذكاء و رقة .
عدنا إلى القاهرة كنت قد قمت بشراء شقة فى عمارة مكونة من أربعة أدوار فى منطقة العروبة ، و قد كلفتنى ثروة طائلة و كان تشطيب الشقة أكثر تكلفة ، و لكن ما يساوى عندى الكثير إنها أعجبت زوجتى و لا زلت أذكر حين تجوّلت معى فى الشقة قبل وضع الأثاث كيف قبلتنى برضاء و قالت لى :
     - ذوقك رائع .
-       اكيد ذوقى رائع علشان إتجوزتك .
-       إنت ما فيش حد يقدر يغلبك فى الكلام .
-       فى الكلام بس ؟
-       قالت و هى تضحك برقة : و فى الفعل ، تعرف كل العيلة عندنا بتقول عنك كلام حلو مش بس بابا وماما ، لا كلهم إعمامى و خالاتى بس أكتر واحد بيقول إنك شخصية مش عادية جدى بابا ماما بيقول عنك شخص غير عادى و إنه بيحس إنك حتكون فى مركز مميز جداً .
-       المهم حبيبتى مراتى .
-       إنت عارف إنت إيه عندى ، أغلى ما فى حياتى .
و على هذا النسق كانت تسير أيامنا معاً ، بعد الإنتهاء من تهيئة شقة العروبة إنتقلنا من الشقة البسيطة التى تزوجنا فيها إلى شقة العروبة ، و فى يوم طلبت "مريم" منى أن تذهب عند والدتها ، و قررت أن أذهب عند أهلى حتى أجعلها تشعر بالحرية ، حتى لو فكرت تسهر يوم أو يومان عند أهلها لا تفكر أنها تتركنى وحدى ، و كانت توقعاتى سليمة ففى الليل و أنا فى العمل كلمتنى و قالت إنها تستأذن لأن أختها موجودة و ترغب فى قضاء الليلة معهم ، و لما قلت لها براحتك قالت لى :
-       بس يا حبيبى انا قلقانة عليك حتعمل إيه و تاكل إيه ؟
-       ما تقلقيش بيبى أنا حأروح عند ماما المهم إنتى تنبسطى و بوسيلى مامتك .
-       ميرسيه حبيبى .
بعد إنتهاء عملى عدت إلى منزل العائلة فى مصر الجديدة ، كنت أفكر طوال الطريق على طريقة أخفى بها عن "مريم" طبيعة عملى السرية و ذلك لعدة أسباب :
أولهما تأمينها الشخصى .
ثانيهما الحفاظ على سرية عملى ، و لست أدرى فى أولوياتى أيهما وضعته أولاً فنحن نحمى بلدنا من أجل أرضها و أهلها ف"الأمن القومى" مسمى يطلق على حماية الأرض و من عليها وبالطبع بدون أهل الأرض فلا يوجد ما يسمى "أمن قومى" ، و عليه ف"مريم" و كل من حولى علىّ أن أحميهم ضد أى خطر .
وصلت بيت العائلة بعدما أبلغتهم بالتليفون بإننى سأحضر للمبيت عندهم ، أصرت أمى على أن تعد لى وجبة شهية و لم تسمح للست "أم زهنى" بعمل الأكل لى ، بعدما تناولت الطعام و بعد الجلوس مع أبى و أمى و إخوتى دخلت غرفتى و بدأت أفكر فى كيفية إخفاء طبيعة عملى السريةعن "مريم" ، كنت أثناء ذلك أتجول فى غرفتى و الحق يقال إننى أفتقد تلك الغرفة ففيها كل شئ جعلنى ما أنا عليه الأن ، مضرب إسكواش ، مضرب تنس ، بدل الفنون القتالية المتعددة التى درستها و برغم أن هناك من نصحونى بعدم ممارسة رياضتان قتاليتان و أن أتخصص فى رياضة واحدة إلا إننى قمت بدراسة رياضة بعد أخرى حتى نجحت فى كل الفنون القتالية و تفوقت فيهم ، كذلك كان الأمر بالنسبة للتنس و الإسكواش فقد كان الكلام إنه لا يصلح أن تلعب تنس و إسكواش ، فقط رياضة واحدة منهما و لكننى مارست الإثنان و تفوقت فيهما و إن كنت قد فضلت الإسكواش فيما بعد و ذلك لأن ظروف عملى كانت لا تسمح بتواجد شخص أخر معى فكانت الإسكواش تسمح لى أن أمارسها منفرداً .
و توجهت بعينى ناحية المكتبة الضخمة التى تحتوى على كل الكتب التى قرأتها فى شتىّ المجالات .
ثم تحولت إلى جهاز الكومبيوتر كنت أثناء كل هذا أفكر فى موضوع إخفاء طبيعة عملى السرية عن زوجتى الحبيبة و ذلك لتأمينها الشخصى ، عندما نظرت إلى جهاز الكومبيوتر تذكرت شئ هام عندى يمكن أن يفيد فيما أرغب فيه .
و هنا توجهت إلى دولابى و أخرجت شنطة تبدو عليها الأناقة و فتحتها و إبتسمت لنفسى فقد وجدت ما ينفع لما أريده .
كانت الشنطة لونها هافان فاتح من نوع جلد غير عادى تشبه الووتر بروف و لها جيب خارجى بزرار ذو لون ذهبى و كان مقبضها من الفورمايكا اللامعة مما ينبأ على أن الشنطة ذات قيمة عالية ، و ما يوجد داخلها كان أعلى قيمة بكثير من الشنطة نفسها لأنه سيسمح لى أن أخفى ما أريد إخفاءه و ذلك لتأمين زوجتى و أسرتى التى بدأت فى تكوينها .
كان فى تلك الشنطة "لاب توب" .
كان إستلامى ل"تعليمات القاهرة" دائماً ما يكون فى ملف يكتب عليه "سري للغاية" ، و كنت أتحرك بذلك الملف فى شنطة ذات أرقام سرية لا يمكن إختراقها ، و لأننى من النوع المحافظ فلا تغيب الشنطة عن عينى نهائياً ، كان هذا قبل زواجى ، أما الأن فمن حق زوجتى أن تتساءل عما بداخل الشنطة ، و ربما تثير الشنطة المغلقة دائماً تساؤلات و هواجس و لقطع الشك باليقين كان علىّ أن افتح شنطتى و أتركها مفتوحة أمامها حتى لا أبعث فى نفسها الإرتياب و أنا أعلم حب الفضول لدى الأنثى خصوصاً الزوجة التى لا ترغب فى أن تشعر أن هناك ما يخفيه زوجها عنها ، و لذلك كان "اللاب توب" هو الوسيلة الآمنة و سأضع ملفاتى فى جزء خاص فى الجهاز لا يظهر إلا بكود سرى ، فحتى لو تعطل جهاز الكمبيوتر فى المنزل و إحتاجت زوجتى لإستخدام اللاب توب الخاص بى لن يظهر أمامها أى شئ من أسرار عملى ، و كان ذلك هو الأمر الأفضل حتى لا ترتاب فى وجود شنطة مغلقة بإستمرار .
إرتحت تماماً من ذلك الموضوع الذى شغل بالى منذ الزواج ، و جلست على مقعدى المفضل ، ذلك "البريجير" الفخم الذى كلما أردت أن أشعر بالراحة و الهدوء أجلس عليه و أقوم بإدارة الراديو على محطة الموسيقى الغربية و أنير أباجورة ذات إضاءة خافتة ، و أتنسم العبير المنطلق من علبة "الجمال الأسمر" و أظل هكذا ، أنسى عملى فى المؤسسة و عملى السرى و أبدأ فى قراءة بعض الأدب ، و لكن ذلك اليوم لم أقرأ فلقد سرحت فى مقولة قالها لى أبى بعد الغذاء و هو إننى لو كنت دخلت الكلية الحربية لم أكن لأكون فى الحال التى أنا عليها الأن و قد إكتفيت بإبتسامة و قلت له :
       - أكيد يا بابا ، لو كنت دخلت الحربية كان يمكن يكون صعب أكون فى اللى أنا فيه دلوقتى .
       - شفت يعنى كانت وجهة نظرنا أنا و ماما صح ، مش كده ؟
       - أكيد ، دايماً كنتم تلفتوا نظرنا لرؤياكم اللطيفة دون إجبارنا على شئ و أنا عارف لو كنت صممت على الإلتحاق بالكلية الحربية كنت حضرتك حتسيبنى أدخلها ، لإن ده اللى إتعودنا عليه منكم "الديمقراطية المطلقة" ، و يمكن ده أحد الأسباب اللى تخلينا نسمع كلامكم ، أفتكر تربيتكم لنا أكثر من رائعة .
كانت كلماتى تزيد من فخر أبى و أمى بنا أنا و إخوتى و بدأت أتذكر ماذا حدث بعد ذلك النقاش الذى إتفقت فيه على إننى لن اتقدم بأوراقى إلى الكلية الحربية و لا إلى أى كلية عسكرية ، و لأننى حاصل على مجموع كبير يسمح لى أن أدخل أى كلية أرغب فيها فقد قدمت فى التنسيق و كان من نصيبى كلية "الإقتصاد و العلوم السياسية" ، و لأن ميولى فنية فقد قدمت للإلتحاق ب"المعهد العالى للسينما" الذى هو من معاهد "أكاديمية الفنون" ، و بعد عدة إختبارات متنوعة تم قبولى فى المعهد و مرت سنين الدراسة لطيفة ندرس فيها ذلك الفن الرائع و الفنون الستة التى سبقته و ندرس التلفزيون لإنه شكل من أشكال السينما ، و قمت بعمل مشروعات كل عام كنت سعيد جداً بعملها ، فقد تعاملت مع الإستديوهات و إيجاراتها و إيجار معدات التصوير ، كما كان أحد مشروعاتى فى "الوادى الجديد" و كان فيه عدة مغامرات و بسفرى له ساعدنى فى معرفة أشياء عديدة أفادتنى فى عملى السري بشكل عالى ، تخرجت من "المعهد العالى للسينما" و بعد التخرج كان هناك "التجنيد" ، و لم يتدخل أبى بأى شكل و كان الأمر بالنسبة لى إننى سأدخل جندى ، و لكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن تم إختيارى كضابط فى الإحتياط ، و لكم أن تتخيلوا بعد أن بدأت العمل فى مجالى السينمائى لعدة أشهر بعد التخرج ، وكنت أعمل فيه أثناء الدراسة كنوع من الخبرة و صناعة إسم و مكانة فى سوق العمل السينمائى ، كيف إنهارت أمالى كلها أمام عينى حينما سمعت إننى سأكون ضابط إحتياط يعنى سأقضى ثلاث سنوات فى الجيش ، و بالطبع سينسى كل من بالسينما إسمى ، وعملنا لا يمكن أن تذهب إليه فى فترات الراحة بل لا بد من التواجد المستمر ، لم أكن أعرف ما يخبئه لىّ القدر من أشياء أكثر من رائعة ، بعد الدراسة فى كلية ضباط الإحتياط ذهبت إلى إدارة الشئون المعنوية لإستلام مهامى الوظيفية ، و الحق يقال وجدت الأمور لطيفة و كان اللواء مدير الإدارة شخصية مهذبة بشكل غير عادى ، و كان العميد الذى يشرف على عملى صاحب خبرة سينمائية و أخذ دورات مكثفة فى العمل السينمائى ما بين القاهرة و روما و قد سعدت بالعمل معه فقد كان ذو حس فنى عالى .
و بدات أحب العمل فى الإدارة خصوصاً حينما عرفت أن مهامها أكبر بكثير من مجرد عمل فيلم سينمائى أو شريط فيديو عن منشأة عسكرية أو إنجاز عسكرى ، و إنما يمتد لأبعد مما يخطر ببال أحد ، فكان من أهم وظائفها مواجهة المد الإعلامى لأى جهة تريد تسميم أفكار أهل مصر ، و هنا تحوّلت مشاعرى فى إتجاه وطنى ، ليس مجرد نشيد أو شعار و لكنه عمل ، و لأننى أجيد عدة لغات كان دورى كبير حتى إقترح على سيادة اللواء أن أستمر فى الخدمة بعد إنتهاء فترة تجنيدى ، و لكننى ألمحت له أننى أرغب فى العودة إلى الحياة المدنية .
فى تلك الفترة كانت موجة الإرهاب فى مصر على أشدها و أذكر منها حوادث "تفجير نفق الهرم" و قتل "الكاتب فرج فودة" و هو جار لنا فى مصر الجديدة و طعن "أديب نوبل نجيب محفوظ" بسكين ، و إغتيال عدد من ضباط الشرطة ، و كانت المواقف المشرفة عديدة ، حيث إشترك المواطنون مع جنود الشرطة و الشرطة العسكرية فى الإمساك ببعض الإرهابيين فى منطقة مجرى العيون بعد محاولتهم الفرار إثر تنفيذ عملية إرهابية فاشلة ، و كان ضباط القضاء العسكرى يسيروا فى حراسة عربات الشرطة العسكرية ، كادت بلدنا تتحول إلى بلد مدجج بالسلاح .
و هنا كانت كل الأجهزة الأمنية تعمل من أجل الحفاظ على أمن الوطن و إنهاء ذلك الخطر الداهم . و كان إشتراك الجيش مع الشرطة أفضل ما يكون ، و فى يوم من الأيام وجدت طلب إستدعاء إلى مكتب سيادة اللواء مدير الإدارة ، توجهت إليه وجدته يطلب منى الذهاب إلى عنوان معين بعد الظهر بالملابس المدنية مع العلم إنه سيتم أخذى إلى مكان أخر و ذلك من أجل موضوع على جانب عالى من السرية و إنه قد رشحنى لذلك العمل فى إجتماع على أعلى مستوى فى قيادة الجيش المصرى ، أديت لسيادته التحية العسكرية و لم أكن أتخيل أن تلك ستكون المرة الأخيرة التى أؤدى فيها التحية العسكرية لسيادته و أنا أرتدى الملابس الرسمية .
توجهت إلى المنزل و بعد الغذاء إرتديت ملابسى و توجهت إلى سيارتى و أخذتها متوجهاً إلى العنوان الذى أعطانى إياه سيادة اللواء ، و عند العنوان تركت السيارة و ترجلت منها ، و عند عبورى الشارع وجدت سيارة تقف بجوارى و ينزل منها شخص ذو ملابس أنيقة شديد الوسامة و وجدته يتحدث معى قائلاً :
          - حضرة الظابط "نبيل" ؟
          - أيوه يا أفندم .
          - إتفضل معانا .
          - على فين .
        - إحنا اللى سيادة اللواء بعتك لمقابلة معانا ، و ده العنوان اللى   حضرتك جايله . قال هذا و هو يمد يده بورقة بها كتابة .
نظرت إلى الورقة التى قام بإبرازها و تأكدت من العنوان و قلت له :
          - أيوه يا أفندم العنوان مظبوط ، إتفضل حضرتك حأجيب عربيتى .
          - ما تتعبش نفسك فى سواقة العربية ، إحنا حنرجعك .
ركبت السيارة كان هناك السائق و شخص بجواره ملامحهم هادئة و طوال الطريق لم أسمع كلمة واحدة ولم يقم أى أحد بالحديث معى .
وصلنا إلى مكان هادئ لتهبط بنا السيارة فى جراج تحت الأرض و بعد نزولنا من السيارة ركبنا مصعد ، كان المفروض حسب الطبيعى أن يصعد بنا المصعد لأعلى ، و لكننى شعرت به ينزل لأسفل ، مما يعنى إننا تحت الأرض بكثير ، عبرت من البوابة الأمنية و كنت أعبر من أمام جهاز يكشف كل ما أحمله ، و بمجرد عبورى الحاجز الأمنى نظرت خلفى فلم أجد الشخص الذى كان معى ، إلتفت أمامى فوجدت شخص يبتسم إبتسامة هادئة و شكله طيب الملامح و يقول لى فى صوت مهذب :
            - حمدلله ع السلامة يا أستاذ نبيل .

فماذا سيحدث ؟
هذا ما سنتابعه معاً فى الحلقة التالية "بيانات العميل" .
محمد أحمد خضر
+20122 3128543