الجمعة، 19 نوفمبر 2010

غرام فى المستشفى




غرام فى المستشفى



إستيقظت فى الساعة السادسة صباحاً بمجرد خروجى من تأثير المخدر القوى الذى تلقيته بالأمس ، كان نوع قوى مؤثر بشدة ، حيث إضطررت لتعاطيه لمّا لم تفلح الأنواع الأخرى .
و برغم إننى أكره تلك الأدوية كلها ، و المخدرة على وجه الخصوص ، إلا إننى أُجبرت على أخذه ، و لم يكن باليد حيلة ، فقد كانت صرخاتى ترّج المستشفى ، كانت جراحة شديدة بعظام الكاحل الأيمن تم إجراءها لى ، بعدما أضطررت لها ، حيث تم أستخراج مسامير كانت تثبت الكاحل و بقيت فى جسدى لمدة ثمانى سنوات نتيجة إحدى حوادثى .
قمت لإشاهد شروق الشمس على الحديقة الخاصة بالمستشفى ، و الحديقة التى تقع خارج المستشفى ، جاء الإفطار ، فطرت و كان من يحضروا الإفطار أشخاص فى منتهى اللطف ، و معهم الممرضة الجميلة التى قالت لى :
- على فكرة أنا غيرت ورديتى عشان أبقى معاك بالليل .
إبتسمت لها وأنا مندهش مما قالته ، و وجدتها تغمز لى و تقولى :
- أنا ماشية دلوقتى و أشوفك بكرة بالليل ،على فكرة ممنوع تستحمى ، عشان الجبسونة اللى على رجلك ، بس لما أجيلك لو حبيت أحميك ممكن  ، أنا أعرف إزاى أحميك من غير ما تأثر المياه عليك .
و ضحكت  ضحكة لطيفة .
وجدت نفسى أرفع حاجبىّ فى دهشة و تتسع حدقتىّ عينى ، و أنا سعيد طبعا مما أسمعه ، سعيد لإننى المفروض فى أجازة من العمل بمعنى :
أقدر أصحى فى الوقت اللى أنا عايزه ، أنام فى الوقت اللى أنا عايزه ، أقرأ ، أتفرج على التلفزيون و الدش ، وأصيع . بس فى حدود غرفتى بالمستشفى ، و كده الصياعة جت لحد عندى نظرت لنفسى فى المرأة و إبتسمت ، و قلت لنفسى :
- إيه الهنا اللى أنا فيه ده ، يومين فى المستشفى و يحصل ده ، كنت مبسوط جداً مما يحدث ، و قلت لنفسى دى باين عليها أجازة سعيدة جدا ، و لم أتخيل ما سيحدث لى فيما بعد .
فقد قررت بعد الأفطار و بعد أن طلبت فنجان قهوة زيادة أن أستمتع بسيجارتى اللذيذة (كنت أدخن وقتها) ، أخرجت علبة سجائرى و بدأت فى إشعال سيجارة ، و أنا واقف خارج الغرفة فى البلكونة  ، و أنا أستمتع بتلك الأجواء الساحرة ، وجدت صوت ناعم لطيف يقول لى بهدوء :
- إنت بتعمل أيه ؟
و إلتفت لأرى مصدر الصوت ، الله على ما رأيت كانت سيدة تشعر معها أنك تقف أمام إحدى أميرات الأسرة العلوية ، من الشعر الطويل الأصفر الملتف بشكل جذاب  ، إلى بشرتها البيضاء إلى عينيها الزرقاء . كأنما هبطت إحدى ربات الشعر و الجمال عند الأغريق "الموزييه" فى غرفتى .
قلتلها بمنتهى الهدوء و أنا مستمتع بالنظر إلى ذلك الجمال المذهل :
- بأشرب سيجارة .
- لا يا حبيبى ، ده ممنوع ، التدخين فى المستشفى ممنوع ، و الأهم علشان صحتك ، و ألا عشان عندك طفاية حلوة و أشارت للطفاية التى أحضرها لى أحد الأصدقاء ، و كانت على شكل سيارة موديل قديم مما نطلق عليه أسم "أوتوموبيل" ، ثم قالت لى :
- إنت مش لسة إمبارح بالليل خارج من أوضة العمليات ، و صريخك كان بيرج المستشفى .
و قفت فى صمت حيث شعرت بالإحراج .
ثم قلتلها : أصل العملية كانت .
- عارفة يا حبيبى كانت فى العضم ، و ديه أصعب عمليات .
كنت فى حالة إستمتاع و دهشة ، كنت مستمتع لأنها قالت لى يا حبيبى ، و مندهش لإنها تعرف عمليتى ، وهنا قلت لها مبتسماً :
- حضرتك عرفتى عمليتى إزاى ؟
- أصلى سألت ، لإن صرخاتك كانت مؤلمة جداً .
- أكيد مش أنا ، أنا ما بصرخش .
- أوكيه ،يبقى حد تانى . قالت هذا و إبتسمت .
شعرت بالسعادة بشدة بكلماتها فهى سيدة تعرف متى لا تجادل و تريح من أمامها ، وبدأنا بالتعارف قالتلى :
- أنا "أميرة" .
- أكيد لازم تكونى "أميرة" .
- ده إسمى . قالتها و زادت إبتسامتها التى أشرقت لها كل الأجواء .
- إسم على مسمى فعلا ، لما شفت حضرتك قلت إنك أميرة علوية ، فضحكت ، و أردفت قائلاً لها :
- و أنا .....
- إسمك . . . . . .
- خريج . . . . . . 
- بشتغل . . . . . .
- ساكن فى . . . . . . . .عنوانكم . . . . . . . .
نظرت إليها مندهشاً متسائلاً بينى و بين نفسى :
- كيف عرفت كل هذا ؟
و هنا دخلت أمى و قالت لى :
- صباح الخير يا حبيبي ، عامل إيه دلوقت ؟ إنت إتعرفت على "مدام أميرة"؟
و وجدتهما  يقبلاّ بعض ، و هنا عرفت من هو مصدر المعلومات التى لدى السيدة الجميلة .
- عامل إيه النهاردة ؟ ، طيب طالما "أميرة هانم" معاك أنا مطمنة عليك أسيبك معاها ، و أنا وصيت عليك "سماح" ممرضة الدور حتى حتغير نبطشيتها عشان تقعد معاك .
و هنا ، فهمت ما حدث من الممرضة .
فجأة ، تحولت كل أحلامى الرائعة إلى كوابيس ، فقد أصبحت مراقب : ممنوع التدخين ، و بالتأكيد لو حضرت صديقة لن تأخذ راحتها بسبب الست الممرضة ، و كذلك أصدقائى لن نستطيع السهر براحتنا .
ههههههههههههههههههههههه.
لا ، لسة . . . . . 
اللى جاى أجمل  . . . . . . .
كانت المستشفى بجوار مطار ألماظة الحربى ، و كان لى أصدقاء فى المطار برتب مختلفة ، كنا أصدقاء من زمان .
المهم حضر لى "حسين" و معه "محمود" كان "حسين" الأقرب لى ، أما "محمود" فقد تعرفت عليه من خلال "حسين" ، و كان شخصية لطيفة و له قصة غريبة مع الفيميلز ، مثلى .
المهم بعد الضيافة و الذى منه ، قال لى "محمود" :
- ديه عمتى معاك هنا .
-   معايا فين ؟
-  فى المستشفى .
طيب ، تعالى نروح نزورها .
- ما أحنا عدينا عليها ما هى فى السويت اللى جنبك .
- مين؟ قلتها و أنا أكاد اصرخ .
- مدام "أميرة" .
و هنا ضحكت ضحكة عالية و قلتله :
-عمتك مدام "أميرة" الست الحلوة اللى فى السويت اللى جنبى ؟
- أيوه هى ، و قالت إنها إتعرفت عليك .
- أيوه ، حصل . "محمود" تسمحلى أطلب منك إيد عمتك .
و هنا ضحكنا كلنا ، و حضرت الممرضة الجميلة التى كنت أظن ستكون معها المغامرات الليلية و التى تحولت إلى مراقبات دورية .
هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
و لكن هذه قصة أخرى .
مساءكم سكر
مع تحياتى
محمد أحمد خضر




+20123128543

  

عام آخرفيلم إفتتاح مهرجان القاهرة السينمائى الدولى34 لعام 2010



فيلم إفتتاح مهرجان القاهرة السينمائى الدولى
34 لعام 2010

 فيلم عام آخر





عام آخر
إخراج: مايك لي
انتاج : 2010 "إنجلترا"
بطولة :جيم برودبينت
-        ليزلي مانفيل
-        روث شين
-        أوليفر مالتمان
تدور الأحداث من خلال "توم" و "جيرى" و هما زوجان يعيشان حياة أسرية سعيدة و مستقرة ، على الرغم من كونهما فى خريف العمر إلا أنهما محاطان بأصدقاء يعانون درجات من اليأس بسبب الوحدة فنعايش تصرفات وردود أفعال متباينة مختلفة .
المخرج " مايك لى " :
   مخرج الفيلم "مايك لى" واحد من أهم مخرجى السينما فى "إنجلترا" و العالم ولد فى مدينة "سلفورد بلانكشير"  بإنجلترا عام 1943 ودرس فى "الاكاديمية الملكية للفنون المسرحية" ثم عمل فى شركة "رويال شكسبير" ، ثم إتجه للتليفزيون وقدم العديد من الأعمال التى تتميز بالشجاعة ، بعد ذلك  إتجه إلى الإخراج السينمائى .
-        جائزة أحسن مخرج من مهرجان "كان" عام 1993 عن فيلمه "العارى"  الذى نال عنه بطله "ديفيد توليس " جائزة افضل ممثل بنفس  المهرجان  .
-        نال عن فيلمه الشهير "أسرار و أكاذيب" جائزة السعفة الذهبية فى مهرجان "كان" عام 1995 ، وتم ترشيحه لجائزة الأوسكار .
-        كما نال فيلمه "فيرا دريك" عام 2003  جائزة "الأسد الذهبى" فى "مهرجان البندقية" 2004 ، و جائزة أفضل ممثله ل"إميلدا ستانتون" .
* من أهم افلامه :
-        لحظات كئيبة              1971
-        أمال عالية                 1988
-        الحياة حلوة                1990
-        فتيات عاملات              1996
-        شهادة بنات                1997
-        توبسى – تورفى           1998
-        رأساً على عقب            1999
-        كل شئ أو لا شئ          2001
-        "الطبقة العاملة"             2002
-        "السعيد المحظوظ"           2006
فيلم عام آخر
يعد هذا الفيلم تحفة سينمائية بكل ما تحمله الكلمة من معانى و ذلك بشهادة كل من شاهده ، من النقاد و السينمائيين فى الدورة الأخيرة لمهرجان "كان" فهو ملئ بالمعانى الإنسانية و الدعوة إلى التأمل .
و أتمنى للجميع مشاهدة طيبة للفيلم .
محمد أحمد خضر




+20123128543

الثلاثاء، 16 نوفمبر 2010

أمن قومى الحلقة الخامسة بيانات العميل


أمن قومي

الحلقة الخامسة
بيانات العميل

وصلنا إلى مكان هادئ لتهبط بنا السيارة فى جراج تحت الأرض و بعد نزولنا من السيارة ركبنا مصعد ، كان المفروض حسب الطبيعى أن يصعد بنا المصعد لأعلى ، و لكننى شعرت به ينزل لأسفل ، مما يعنى إننا تحت الأرض بكثير ، عبرت من البوابة الأمنية و كنت أعبر من أمام جهاز يكشف كل ما أحمله ، و بمجرد عبورى الحاجز الأمنى نظرت خلفى فلم أجد الشخص الذى كان معى ، إلتفت أمامى فوجدت شخص يبتسم إبتسامة هادئة و شكله طيب الملامح و يقول لى فى صوت مهذب :
            - حمدلله ع السلامة يا أستاذ نبيل .
- الله يسلمك يا أفندم . قلتها و أنا أنظر له فى هدوء .
- إتفضل معايا على المكتب .
تتبعت خطواته فى هدوء دون أى حديث منى ، و برغم عدم وجود أى شخص فى الممرات التى نسير فيها إلا إننى شعرت أن هناك من يتتبعنى ، كانت هناك كاميرات خفية موزعة فى كل الممرات ، بحيث لا يتم إلتقاء شخصان لا داعى لإلتقاءهما معاً ، حفاظاً على السرية ، و هذا ما علمته بعدها بعدة سنوات حيث كانت إحدى مهامى تولى إحضار كاميرات على أعلى درجة من الجودة مع مجموعة من المهندسين الأكفاء فى سلاح المهندسين المتخصصين فى التكنولوجيا فائقة التقنيات ، و متابعة تركيب تلك الكاميرات مع سلاح المهندسين فيما بعد .
توجهت مع الشخص المبتسم إلى مكتبه و هناك قدم لى بعض الشاى الأخضر فنظرت له مبتسماً فقد كانت إشارة لطيفة ليقل لى إن كل المعلومات عن شخصيتى لديهم فلم يكن "الشاى الأخضر" مشروب منتشر بشدة و القليل من يستمتع بشربه و كنت أنا منهم ، بعدها جلس أمامى و لم يجلس على كرسي المكتب بدأ فى الكلام معى قائلاً بهدوء و الإبتسامة لم تفارقه :
- أنا إسمى "نهاد" ، تعرف إنت فين يا أستاذ نبيل ؟
- تحت الأرض بمسافة كبيرة ، فى جهة أمنية تابعة للجيش يا أفندم لا يتم التعامل فيها بالرتب العسكرية .
-  بالظبط ، تحليلك مظبوط ، لكن تفتكر إيه هى الجهة ديه ؟
- حنستبعد المخابرات العسكرية لإنه بيتم التعامل فيها بالرتب الرسمية ، يبقى إحنا فى المخابرات العامة .
- تحليلك نوعاً ما مظبوط ، يمكن ما قدرتش تحدد المكان بالظبط لإن المكان اللى إحنا فيه غير معروف بشكل عام ، وأغلب الناس بتقول عنه "المخابرات العامة" و ده شئ كويس للحفاظ على السرية ، إحنا فى "هيئة الأمن القومى" يا "أستاذ نبيل" ، و هى جهة تابعة ل"جهازالمخابرات العامة" ، لكنها لها صلاحيات مختلفة عنه ، "جهازالمخابرات العامة" مهمته تأمين "مصر" فى الخارج ، "هيئة الأمن القومى" مهمتها تأمين "مصر" داخلياً علشان كده حتلاقى تعاون كبير بينا و بين "وزارة الداخلية" و حتلاقى ظباط من البوليس معانا هنا ، و بالنسبة لتواجدنا الحالى فعلاً إحنا تحت الأرض بمسافة كبيرة ، و إحنا ما بنتعاملش بالرتب العسكرية هنا بل نتعامل بلقب "أستاذ" ، لا فرق بين "جندى" و "سيادة اللواء"لإننا كلنا فى خدمة "مصر" ، بالنسبة لوجودك هنا تم ترشيحك من سيادة اللواء"مدير إدارة الشئون المعنوية" فى إجتماع على أعلى مستوى لقيادات "الجيش" و "وزارة الحربية" و بعد تحريات مكثفة عنك تمت الموافقة علي إسمك ، و عملنا مجموعة إختبارات عليك لنتأكد من إنك حتوافق على الإشتراك فى عملنا و ألا مش فاكر "حضرة النقيب سراج" .
و هنا عادت بى الذاكرة لمقابلتى صديقى و زميلى "النقيب سراج" منذ عدة أسابيع فى "نادى الضباط" فى "مصر الجديدة" و الحديث الذى دار بيننا ، و كيف دار الحوار بيننا عن الأحداث المؤسفة التى تدور فى "مصر" من حوادث إرهابية تدمر بلدنا و تكاد تنهى أى فكر و مفكر فى وطنا الحبيب "مصر" ، و سؤاله لي كيف لو عرض علىّ عمل شئ لوقف العمليات الإرهابية هل أوافق ؟ ، حتى لو إضطررت لنسيان عملي السينمائي و البقاء طوال حياتي فى الجيش ؟ و كانت إجابتي له بالموافقة و قلت له إنني من أجل "مصر" أعمل أي شئ ، و قد كرر السؤال بشكل غريب و كنت كل مرة يكرر السؤال أجيب بنعم .
هنا قال لي "الأستاذ / نهاد" و هو ينظر لى مبتسماً :
-  إفتكرت بالتأكيد مقابلة "النقيب سراج" فى "نادى الظباط" يوم الخميس 9 نوفمبر1995 ؟
- أيوه "أستاذ نهاد" .
- "النقيب سراج" ما يعرفش حاجة عن وجودك هنا ، الموضوعات بتاعت شغلنا بتتم فى نطاق من السرية العالية جداً ، "سراج" كل اللى يعرفه إنك بتحب السينما و مستنى اليوم اللى ترجعلها لكن الموضوع اللى إتقاله لو تم وضعك فى خيارات بين رجوعك السينما و البقاء فى خدمة البلد عايزين نعرف يكون رده إيه ، و هو اللى إقترح إنه يسئلك عن الموضوع بالشكل ده ، المهم إنت دلوقت لك مطلق الحرية لو مش عايز تكمل معانا ، تقدر تخرج من هنا و ماعليكش أى حرج ، لكن لو قررت تكمل معانا إعرف إننا لا نحمل أي إمتيازات غير شرف خدمة بلدنا ، و ده شرف مش قليل ، بس للى يقدّر ، فلو قلت إنك حتشتغل معانا حأقولك إحنا بنعمل إيه بالظبط ، و لو حبيت تأخد وقت تفكر ، خد وقتك ، و حأنتظر ردك ، و لو موافق نبدأ الشغل على طول .
-  بالتأكيد انا موافق يا "أستاذ نهاد" ، و أنا تحت أمر "مصر" من دلوقت ، و يا ريت نبدأ الشغل حالاً .
- طيب ، أول حاجة فى الشغل هى بياناتك ، بمعنى حتقعد فى المكتب ده اللى هو من ساعة ما دخلنا و هو مكتبك و أفتكر خدت بالك إنى ما قعدتش على كرسى المكتب و قعدت قدامك علشان المكتب مكتبك يا "أستاذ نبيل" ، و دلوقتى المطلوب منك تكتب قصة حياتك من يوم مولدك لحد النهاردة ، عندك هنا فى الإدراج أوراق و إقلام ، ترموس شاى أخضر ، ترموس شاى برجموت ، ترموس قهوة عربى و تمر من النوع اللى بتفضله و و فى المينى بار ميه متلجة و كل المشروبات اللى بتحبها ، و فى الغرفة الملحقة بالمكتب حتلاقى كنبة مريحة جداً ، و طقم للبيت و شبشب مريح بدل ما تقعد بالبليزير الشيك و الجينز الغالى و البوت المتعب ، يعنى كل وسائل الراحة موجودة عندك و الراديو مظبوط على محطة الإذاعة الأوروبية اللى بتحبها ، كل المطلوب منك تقعد الساعتين دول تكتب قصة حياتك من أول ما إتولدت لحد النهاردة ، إحنا عندنا كل حاجة عنك ، لكن بالتأكيد من الأفضل سماعها من بطلها اللى عاشها خصوصاً إنه حيقدم لنا معلومات أكتر ، خد وقتك "أستاذ نبيل" ، المهم ما تنساش حاجة ، العربية حتاخدك من هنا الساعة تسعة و نص يعنى قدامك ساعتين و نص ، الدقة فى المواعيد هى أهم سمات شغلنا و إحنا عارفين إنك دقيق فى مواعيدك ، حأسيبك دلوقت خد راحتك و اكتب كل حاجة ، و لما تخلص حتضغط الرقم تسعة فى التليفون ده ، حأرد عليك قال هذا و هو يشير على تليفون على المكتب .
- سلام مؤقت "أستاذ نبيل" .
-  مع السلامة "أستاذ نهاد" .
بمجرد خروج "أستاذ نهاد" من غرفة المكتب جلست أكتب ما طلب منى كتابته على الفور ، لإننى قد تعودت عند الإستعداد للخروج أن أخذ وقتى فى الإستعداد بحيث إننى إذا إضطرتنى الظروف للبقاء فترة طويلة خارج المنزل لا أكون متعب من الملابس أو الحذاء أو غيره ، أو أحتاج للحمام أو لتناول مشروبات .
بدأت أكتب قصة حياتى و تذكرت أشياء كنت أظننى نسيتها فبدأت بالكتابة عن اللحظات الأولى لولادتى ، تلك المعلومات التى كانت حديث دائم بين أمى و أبى و جدتى أم أمى و كانوا يتذكروا تلك الأيام التى مرت عليهم فى أيام صعبة و أيام جميلة مرت بها بلادنا .
ولدت فى 23 أكتوبر 1970 بعد أيام قليلة من وفاة "الرئيس الراحل جمال عبد الناصر" و كانت أمى دائماً تقل لي إنها كانت تتمنى أن أحضر و لو يوم واحد في عهد "الريس" ، كانت تقول لى إن الشعب كله كان يحبه ، و قرب بلوغي عامي الثالث وقعت أعظم حروب التاريخ الحديث "حرب أكتوبر المجيدة" تحكى لي جدتي أم أبى ، كيف إن والدي عاد بعد حرب 67 و ملابسه العسكرية نظيفة و هو في حالة يرثى لها بسبب الهزيمة جلس صامت مهموم يرفض الحديث مع أحد و يرفض تناول الطعام ، و كيف حضرت سيارة من الجيش بعد أسبوع من عودته أخذته عدة أيام و لا يعلم أحد حتى اليوم أين ذهبوا به ، و لكنه عاد و قد بدأ يستعيد طبيعته قبل الحرب ، و تحكى لي أيضاً كيف عاد بعد أكتوبر و ملابسه العسكرية مليئة بالدماء و هو سعيد بالانتصار و نحن هنا نتحدث عن ملابس الميدان و ليس ملابس التشريفة المهندمة التي نراها ، و تحكى لي كيف قام البطل "الرئيس السادات" بالأخذ على عاتقه مهمة الحرب و تحرير الأرض ، ثم كيف كان خطابه القوى في مجلس الشعب ليقول في قوة إنه على أتم استعداد ليذهب إلى أبعد مدى ليذهب إلى إسرائيل نفسها من أجل السلام ، و نزول الطائرة المصرية فى مطار "بن جوريون" و كيف تم توزيع القناصة الإسرائيلين فى كل أرجاء المطار خوفاً من أن ينزل مع الرئيس السادات مجموعة من الصاعقة المصرية يقوموا بإغتيال القادة الإسرائليين ، كانت مصر قد سببت رعب ل"إسرائيل" ، ثم كيف كانت المناورات بين الثعلب الذكى "الرئيس السادات" و بين دهاة الساسة الإسرائيلين"مناحم بيجين" و ساسة "الولايات المتحدة" ، و ما بين هذا و ذاك كان حادث إغتيال "الشهيد يوسف السباعى" الذى هز والدى بشدة لإنه كان يعرفه عن قرب حيث تقابل معه عده مرات ، و تذكر أمى لى حالة والدى حينما قام بتجهيز قوات من الصاعقة للذهاب إلى مطار "لارنكا القبرصى" للثأر لذلك الحادث ، حيث صدرت له الأوامر لتجهيز أشد رجال الصاعقة للذهاب لرد الضربة ، و كان عليه تنفيذ التعليمات مهما كان عدم رضاه عنها ، كانت حياتى عبارة عن وصف لتاريخ مصر الحديث ، و هنا علمت لماذا طلب منى أبى و أمى عدم الإلتحاق بكلية عسكرية حتى لا أتعذب مثلما تعذب هو ، و لكن يبدو أن مصيرنا هو خدمة وطننا "مصر" و هو كما قال "الأستاذ نهاد" شرف كبير ، و هو بحق أعظم شرف ، و كان حادث إغتيال "البطل الشهيد الرئيس أنور السادات" ، و الذى لا زلت اذكر حين كنا نشاهد التلفزيون و كيف إنتهى بث العرض العسكرى و كيف كان حال البلد فى وجوم شديد و كانت الأجواء متوترة ، أذكر حتى اليوم مشهد الجنازة العسكرية للشهيد البطل ، و كتبت كيف كان لقائى بعد تخرجى مباشرة مع أحد الذين تولوا المناقشة مع قتلة الشهيد و هو "الدكتور محمد عمارة" المفكر الإسلامى و الذين كانوا لن يرتضوا غيره و قال لهم إن فتاوى"شيخ الإسلام إبن تيمية" لا تجوز على حكام هذا العصر من المصريين و كان المقصود بتلك الفتاوى التتر الغزاة ، ثم تناولت إنتقالى للدراسة فى الإعدادي و الثانوي ، و علاقاتى مع أصدقائى ثم قدمت بعض لمحات عن علاقاتى مع الصديقات فى النادى و المدرسة والمعهد و بعض العلاقات الخارجية العابرة كأن يأتى صديق فيطلب منى أن أخرج معه لإن صديقته ستحضر صديقة ، و هكذا كانت مراحل حياتى تتسم بالإحترام مع الأصدقاء ، حتى حينما حاولت صديقة أن تجرنى إلى علاقة غرامية وضحت لها إننى متفرغ للدراسة و تمارين النادى و الأجازة الصيفية تكون لممارسة عملية فى الخارج لللغة الأجنبية التى أدرسها فى فترة الدراسة ، و هكذا مرت حياتى ، بالطبع كانت هناك مغامرات لطيفة ، مثل إقتحام "قصر البارون إمبان" فى مصر الجديدة بجوار منزلنا و بعض المناوشات بينى و بين الأصدقاء و الصديقات و لكنها لم تتعد مرحلة الإحترام المتبادل كما لو كنت أعد نفسى لمكانة متميزة .
و قدمت حياتى فى "معهد السينما" كيف تعددت الصداقات و تعرفت على الكثير من أبناء الفنانين و الفنانات ، و المشاريع التى توليتها ، و قصة سفرى "الوادى الجديد" و كيف كانت تلك الرحلة من أجمل رحلات الدراسة و ما الذى رأيته هناك أنهيت كتابة قصة حياتى فى أقل من الوقت المطلوب مقدماً تفاصيل لكل شئ دون أن أهمل أي تفصيلة .
بمجرد إنتهائى رفعت سماعة التليفون و ضغطت على الرقم "تسعة" وجدت صوت "الأستاذ نهاد" يقل لى :
 خلصت يا "أستاذ نبيل" ؟
  خلصت يا أفندم .
حضر لى و هو يبتسم ببشاشة و هو ما رأيته طوال خدمتى معه بشاشة لا تفارقه ، بحيث تجد أصعب المهام تتحول إلى أسهلها ببشاشة هذه الشخصية الجميلة ، و التى كان لها أكبر أثر فى إنتقالى من "هيئة الأمن القومى" إلى "جهاز المخابرات العامة" أما كيف كان هذا ؟
فهذا ما سنعرفه فى الحلقات القادمة .
و إلى اللقاء فى الحلقة القادمة "الدرب الأحمر" .
+201223128543

أمن قومى الحلقة الخامسة بيانات العميل


أمن قومى
الحلقة الخامسة
بيانات العميل


وصلنا إلى مكان هادئ لتهبط بنا السيارة فى جراج تحت الأرض و بعد نزولنا من السيارة ركبنا مصعد ، كان المفروض حسب الطبيعى أن يصعد بنا المصعد لأعلى ، و لكننى شعرت به يهبط لأسفل ، مما يعنى إننا ننزل تحت الأرض ، خرجنا من المصعد كنت أعبر أمام جهاز يكشف كل ما أحمله ، بمجرد عبورى الحاجز الأمنى نظرت خلفى فلم أجد الشخص الذى كان معى ، إلتفت أمامى فوجدت شخص وسيم الملامح ينظر لى و هو يبتسم إبتسامة طيبة يقل لى فى صوت هادئ :
-        حمدلله ع السلامة يا "أستاذ نبيل" .
-        الله يسلمك يا أفندم . قلتها و أنا أنظر له فى هدوء .
-        إتفضل معايا على المكتب .
تتبعت خطواته فى هدوء دون أى حديث منى ، و برغم عدم وجود أى شخص فى الممرات التى نسير فيها إلا إننى شعرت أن هناك من يتتبعنى ، كانت هناك كاميرات خفية موزعة فى كل الممرات ، بحيث لا يتم إلتقاء شخصان لا داعى لإلتقاءهما معاً ، حفاظاً على السرية ، و هذا ما علمته بعدها بعدة سنوات حيث كانت إحدى المأموريات التى كلفت بها قيامى بإحضار كاميرات على أعلى درجة من الجودة مع مجموعة من المهندسين الأكفاء فى سلاح المهندسين و المتخصصين فى التكنولوجيا فائقة التقنيات ، و متابعة تركيب تلك الكاميرات معهم فيما بعد .
توجهت مع الشخص المبتسم إلى مكتبه و هناك قدم لى بعض الشاى الأخضر ، فنظرت له مبتسماً فقد كانت إشارة لطيفة يخبرنى بها أن كل المعلومات الخاصة بى لديهم ، فلم يكن "الشاى الأخضر" مشروب منتشر فى ذلك الوقت و القليل من كان يستمتع بشربه و كنت أنا أحدهم ، و بعدها جلس أمامى و لم يجلس على كرسي المكتب بدأ فى الحديث معى قائلاً بهدوء و الإبتسامة لم تفارقه :
-        أنا إسمى "نهاد" ، تعرف إنت فين يا "أستاذ نبيل"؟
-        بيتهيالى يا افندم . تحت الأرض بمسافة كبيرة ، فى جهة أمنية تابعة للجيش لا يتم فيها التعامل بالرتب العسكرية .
-        بالظبط ، تحليلك مظبوط ، لكن تفتكر إيه هى الجهة ديه ؟
-        حنستبعد المخابرات العسكرية لإنه بيتم التعامل فيها بالرتب الرسمية ، يبقى إحنا ممكن نكون فى المخابرات العامة .
-        تحليلك مظبوط ، يمكن ما قدرتش تحدد المكان بالظبط لإن المكان اللى إحنا فيه غير معروف بشكل عام ، و أغلب الناس بتقول عنه "المخابرات العامة" و ده شئ كويس للحفاظ على السرية ، إحنا فى "هيئة الأمن القومى" يا "أستاذ نبيل" ، و هى جهة تابعة ل"جهازالمخابرات العامة" ، لكنها لها صلاحيات مختلفة عنه ، "جهازالمخابرات العامة" مهمته تأمين "مصر" فى الخارج ، "هيئة الأمن القومى" مهمتها تأمين "مصر" داخلياً عشان كده حتلاقى تعاون كبير بينا و بين "وزارة الداخلية" و حتلاقى ظباط من البوليس معانا هنا ، و بالنسبة لتواجدنا الحالى فعلاً إحنا تحت الأرض بمسافة ، و إحنا هنا مابنتعاملش بالرتب العسكرية بنتعامل بلقب "أستاذ" ، لا فرق بين "جندى" و بين "سيادة اللواء" لإننا كلنا فى خدمة "مصر" ، بالنسبة لوجودك هنا ، فده لأنه تم ترشيحك من سيادة اللواء "مدير إدارة الشئون المعنوية" فى إجتماع على أعلى مستوى لقيادات "الجيش" و "وزارة الحربية" و بعد تحريات مكثفة عنك تمت الموافقة علي إسمك ، و عملنا مجموعة إختبارات عليك لنتأكد من إنك حتوافق على الإشتراك فى عملنا و ألا مش فاكر مقابلة "النقيب سراج" .
و هنا عادت بى الذاكرة لمقابلتى صديقى و زميلى "النقيب سراج" منذ عدة أسابيع فى "نادى الضباط" فى "مصر الجديدة" و الحديث الذى دار بيننا ، و كيف دار الحوار بيننا عن الأحداث الموسفة فى بلدنا من حوادث إرهابية تدمر بلدنا و تكاد تنهى على أى فكر فى وطنا الحبيب "مصر" ، و سؤاله لى كيف لو عرض علىّ عمل شئ لوقف العمليات الإرهابية هل أوافق ؟ ، حتى لو إضطررت لنسيان عملى السينيمائى و البقاء طوال حياتى فى الجيش ؟ و كانت إجابتى له بالموافقة و قلت له إننى من أجل "مصر" أعمل أي شئ ، و قد كرر السؤال بشكل غريب و كنت كل مرة يكرر السؤال أجيب بنفس الإجابة .
هنا قال لى "الأستاذ / نهاد" و هو ينظر لى مبتسماً :
-        إفتكرت بالتأكيد مقابلة "النقيب سراج" فى نادى الظباط" يوم الخميس 9 نوفمبر1995 ؟
-        أيوه "أستاذ نهاد" .
-        "النقيب سراج" ما يعرفش حاجة عن وجودك هنا ، الموضوعات بتاعت شغلنا بتم فى نطاق من السرية العالية جداً ، "سراج" كل اللى يعرفه إنك بتحب السينما و مستنى اليوم اللى ترجعلها لكن الموضوع اللى إتقاله لو تم وضعك فى خيارات بين رجوعك السينما و البقاء فى خدمة البلد عايزين نعرف يكون رده إيه ، و هو اللى إقترح إنه يسئلك عن الموضوع بالشكل ده ، المهم إنت دلوقت لك مطلق الحرية لو مش عايز تكمل معانا ، تقدر تخرج من هنا و ماعليكش أى حرج ، لكن لو قررت تكمل معانا إعرف إننا لا نحمل اى إمتيازات غير شرف خدمة بلدنا ، و ده شرف مش قليل ، بس للى يقدّر ، فلو قلت إنك حتشتغل معانا حأقولك إحنا بنعمل إيه بالظبط ، و لو حبيت تاخد وقت تفكر ، خد وقتك ، و حأنتظر ردك ، و لو موافق حنبدأ الشغل على طول .
-        بالتأكيد انا موافق يا "أستاذ نهاد" ، و أنا تحت أمر "بلدى" على طول ، و يا ريت نبدا الشغل حالاً .
-        طيب ، أول حاجة فى الشغل هى بياناتك ، بمعنى حتقعد فى المكتب ده اللى هو من ساعة ما دخلنا و هو مكتبك و أفتكر خدت بالك إنى ما قعدتش على كرسى المكتب و قعدت قدامك علشان المكتب مكتبك يا "أستاذ نبيل" ، و دلوقتى المطلوب منك تكتب قصة حياتك من يوم ما إتولدت لحد النهاردة ، عندك هنا فى الإدراج أوراق و اقلام ، ترموس شاى أخضر، ترموس شاى برجموت ، ترموس قهوة عربى و تمر من النوع اللى بتفضله و ميه متلجة فى المينى بار و فيه كل المشروبات اللى بتحبها ، و فى الغرفة الملحقة بالمكتب حتلاقى حمام و كنبة مريحة جداً ، و بعض الملابس المريحة بدل ما تقعد بالبليزير الشيك و الجينز الغالى و البوت المقفول ، يعنى كل وسائل الراحة موجودة عندك و الراديو مظبوط على محطة الإذاعة الأوروبية اللى بتحبها ، كل المطلوب منك تقعد الساعتين دول تكتب قصة حياتك من أول ما إتولدت لحد النهاردة ، إحنا عندنا كل حاجة عنك ، لكن بالتأكيد من الأفضل سماعها من بطلها اللى عاشها خصوصاً إنه حيقدم لنا معلومات أكتر ، خد وقتك "أستاذ نبيل" ، المهم ما تنساش حاجة ، العربية حتاخدك من هنا الساعة تسعة و نص يعنى قدامك ساعتين و نص ، الدقة فى المواعيد هى أهم سمات شغلنا و إحنا عارفين إنك دقيق فى مواعيدك ، حأسيبك دلوقت خد راحتك فى الكتابة و اكتب كل حاجة ، و لما تخلص حتضغط الرقم تسعة فى التليفون ده حأرد عليك ، قال هذا و هو يشير على تليفون موضوع على المكتب .
-         سلام مؤقت "أستاذ نبيل" .
-        مع السلامة "أستاذ نهاد" .
بمجرد خروج "أستاذ نهاد" من غرفة المكتب جلست أكتب ما طٌلب منى كتابته على الفور ، لإننى قد إعتدت عند الخروج أن أخذ وقتى فى الإستعداد بحيث إننى إذا إضطرتنى الظروف للبقاء فترة طويلة خارج المنزل لا أكون متعب من الملابس أو الحذاء أو غيره ، أو أحتاج للحمام أو لتناول مشروبات .
بدأت أكتب قصة حياتى و تذكرت أشياء كنت أظننى نسيتها فبدأت بالكتابة عن اللحظات الأولى لولادتى ، تلك المعلومات التى كانت حديث دائم بين أمى و أبى و جدتى أم أمى و كانوا يتذكروا تلك الأيام التى مرت عليهم ، أيام صعبة و أيام جميلة مرت بها بلادنا.

ولدت فى 23 أكتوبر 1970 بعد أيام قليلة من وفاة "الرئيس الراحل جمال عبد الناصر" و كانت أمى دائماً تقول لى إنها كانت تتمنى أن أحضر و لو يوم واحد فى عهد "الريس" ، كانت تقول لى إن الشعب كله كان بيحبه ، و قرب بلوغى عامى الثالث وقعت أعظم حروب التاريخ الحديث "حرب أكتوبر المجيدة" تحكى لى جدتى أم أبى ، كيف إن والدى عاد بعد حرب 67 وبذلته العسكرية نظيفة و هو فى حالة يرثى لها بسبب الهزيمة جلس صامتاً مهموماً يرفض الحديث مع أى أحد و يرفض تناول الطعام ، و كيف حضرت سيارة من الجيش بعد إسبوع من عودته أخذته عدة أيام و لا يعلم أحد حتى اليوم أين ذهبوا به ، و لكنه عاد و قد بدأ يستعيد طبيعته قبل الحرب . و تحكى لى أيضاً كيف عاد بعد أكتوبر و بذلته العسكرية مليئة بالدماء و هو سعيد بالإنتصار ، و نحن هنا نتحدث عن ملابس الميدان لا بدلة التشريفة المهندمة التى نراها ، و تحكى لى كيف قام البطل "الرئيس السادات" بالأخذ على عاتقه مهمة الحرب و تحرير الأرض ، ثم كيف كان خطابه القوى فى مجلس الشعب ليقول فى قوة إنه على أتم إستعداد ليذهب إلى أبعد مدى ليذهب إلى الكنيست نفسه من أجل السلام ، و أذكر نزول الطائرة المصرية فى مطار "بن جوريون" و كيف تم توزيع القناصة الإسرائيلين فى كل أرجاء المطار خوفاً من أن ينزل مع الرئيس السادات مجموعة من الصاعقة المصرية يقوموا بإغتيال القادة الإسرائليين ، كانت مصر قد سببت رعب ل"إسرائيل" ، و كيف كانت المناورات بين الثعلب الذكى "الرئيس السادات" و بين دهاة الساسة الإسرائيلين"مناحم بيجين" و ساسة "الولايات المتحدة" ، و ما بين هذا و ذاك كان حادث إغتيال الشهيد "يوسف السباعى" الذى هز والدى بشدة لإنه كان يعرفه عن قرب حيث تقابل معه عده مرات ، و تذكر أمى لى حالة والدى حينما قام بتجهيز قوات من الصاعقة للذهاب إلى مطار "لارنكا القبرصى" للثأر لذلك الحادث ، حيث صدرت له الأوامر لتجهيز أشد رجال الصاعقة للذهاب لرد الضربة ، و كان عليه تنفيذ التعليمات مهما كان عدم رضاه عنها ، كانت حياتى عبارة عن وصف لتاريخ مصر الحديث ، و هنا علمت لماذا طلب منى أبى و أمى عدم الإلتحاق بكلية عسكرية حتى لا أتعذب مثلما تعذب هو ، و لكن يبدو إن قدرنا هو خدمة وطننا "مصر" و هو كما قال "الأستاذ نهاد" شرف كبير ، و هو بحق أكبر شرف ، و حادث إغتيال البطل الشهيد الرئيس"أنور السادات" ، و الذى لا زلت اذكر حين كنا نشاهد التلفزيون و كيف إنتهى بث العرض العسكرى بصورة غريبة و كيف كان حال البلد فى وجوم شديد و كانت الأجواء متوترة أذكر حتى اليوم مشهد الجنازة العسكرية للشهيد البطل ، و كيف كان لقائى اثناء الدراسة بالمعهد مع أحد الذين تولوا المناقشة مع قتلة الشهيد و هو "الدكتور محمد عمارة" المفكر الإسلامى و الذين كانوا لن يرتضوا غيره و قال لهم إن فتاوى"شيخ الإسلام إبن تيمية" لا تجوز على حكام هذا العصر من المصريين و كان المقصود بها التتر الغزاة ، ثم تناولت إنتقالى للدراسة فى الإعدادي و الثانوي ، و علاقاتى مع أصدقائى ثم قدمت بعض لمحات عن علاقاتى مع الصديقات فى النادى و المدرسة والمعهد و بعض العلاقات الخارجية العابرة كأن يأتى صديق فيطلب منى أن أخرج معه لإن صديقته ستحضر صديقة ، و هكذا كانت مراحل حياتى تتسم بالإحترام مع الأصدقاء ، حتى حينما حاولت صديقة أن تجرنى إلى علاقة غرامية وضحت لها إننى متفرغ للدراسة و تمارين النادى و الأجازة الصيفية تكون لممارسة عملية فى الخارج لللغة الأجنبية التى أدرسها فى فترة الدراسة ، هكذا مرت حياتى . بالطبع كانت هناك مغامرات لطيفة ، مثل إقتحام "قصر البارون إمبان" فى مصر الجديدة بجوار منزلنا و بعض المناوشات بينى و بين الأصدقاء و الصديقات و لكنها لم تتعد مرحلة الإحترام المتبادل كما لو كنت أعد نفسى لمكانة مميزة .
و قدمت حياتى فى "معهد السينما" كيف تعددت الصداقات و تعرفت على الكثير من أبناء الفنانين و الفنانات ، و المشاريع التى توليتها ، و قصة سفرى الوادى الجديد و كيف كانت تلك الرحلة من أجمل رحلات الدراسة و ما الذى رأيته هناك ، أنهيت كتابة قصة حياتى فى أقل من الوقت المطلوب ، مٌقدماً كل شئ دون أن أهمل أية تفصايل .
بمجرد إنتهائى رفعت سماعة التليفون و ضغطت على الرقم "تسعة" وجدت صوت "الأستاذ نهاد" يقل لى :
-        خلصت يا "أستاذ نبيل"
-        خلصت يا أفندم .
حضر لى و هو يبتسم ببشاشة و هو ما رأيته طوال خدمتى معه بشاشة لا تفارقه ، بحيث تجد أصعب المهام تتحول إلى أسهلها ببشاشة هذه الشخصية الجميلة ، و التى كان لها أكبر أثر فى إنتقالى من "هيئة الأمن القومى" إلى "جهاز المخابرات العامة" أما كيف كان هذا ؟
فهذا ما سنعرفه فى الحلقة القادمة .
                                  "الدرب الأحمر" .

محمد أحمد خضر


+2 0122 3128543