الثلاثاء، 16 نوفمبر 2010

أمن قومى الحلقة الخامسة بيانات العميل


أمن قومي

الحلقة الخامسة
بيانات العميل

وصلنا إلى مكان هادئ لتهبط بنا السيارة فى جراج تحت الأرض و بعد نزولنا من السيارة ركبنا مصعد ، كان المفروض حسب الطبيعى أن يصعد بنا المصعد لأعلى ، و لكننى شعرت به ينزل لأسفل ، مما يعنى إننا تحت الأرض بكثير ، عبرت من البوابة الأمنية و كنت أعبر من أمام جهاز يكشف كل ما أحمله ، و بمجرد عبورى الحاجز الأمنى نظرت خلفى فلم أجد الشخص الذى كان معى ، إلتفت أمامى فوجدت شخص يبتسم إبتسامة هادئة و شكله طيب الملامح و يقول لى فى صوت مهذب :
            - حمدلله ع السلامة يا أستاذ نبيل .
- الله يسلمك يا أفندم . قلتها و أنا أنظر له فى هدوء .
- إتفضل معايا على المكتب .
تتبعت خطواته فى هدوء دون أى حديث منى ، و برغم عدم وجود أى شخص فى الممرات التى نسير فيها إلا إننى شعرت أن هناك من يتتبعنى ، كانت هناك كاميرات خفية موزعة فى كل الممرات ، بحيث لا يتم إلتقاء شخصان لا داعى لإلتقاءهما معاً ، حفاظاً على السرية ، و هذا ما علمته بعدها بعدة سنوات حيث كانت إحدى مهامى تولى إحضار كاميرات على أعلى درجة من الجودة مع مجموعة من المهندسين الأكفاء فى سلاح المهندسين المتخصصين فى التكنولوجيا فائقة التقنيات ، و متابعة تركيب تلك الكاميرات مع سلاح المهندسين فيما بعد .
توجهت مع الشخص المبتسم إلى مكتبه و هناك قدم لى بعض الشاى الأخضر فنظرت له مبتسماً فقد كانت إشارة لطيفة ليقل لى إن كل المعلومات عن شخصيتى لديهم فلم يكن "الشاى الأخضر" مشروب منتشر بشدة و القليل من يستمتع بشربه و كنت أنا منهم ، بعدها جلس أمامى و لم يجلس على كرسي المكتب بدأ فى الكلام معى قائلاً بهدوء و الإبتسامة لم تفارقه :
- أنا إسمى "نهاد" ، تعرف إنت فين يا أستاذ نبيل ؟
- تحت الأرض بمسافة كبيرة ، فى جهة أمنية تابعة للجيش يا أفندم لا يتم التعامل فيها بالرتب العسكرية .
-  بالظبط ، تحليلك مظبوط ، لكن تفتكر إيه هى الجهة ديه ؟
- حنستبعد المخابرات العسكرية لإنه بيتم التعامل فيها بالرتب الرسمية ، يبقى إحنا فى المخابرات العامة .
- تحليلك نوعاً ما مظبوط ، يمكن ما قدرتش تحدد المكان بالظبط لإن المكان اللى إحنا فيه غير معروف بشكل عام ، وأغلب الناس بتقول عنه "المخابرات العامة" و ده شئ كويس للحفاظ على السرية ، إحنا فى "هيئة الأمن القومى" يا "أستاذ نبيل" ، و هى جهة تابعة ل"جهازالمخابرات العامة" ، لكنها لها صلاحيات مختلفة عنه ، "جهازالمخابرات العامة" مهمته تأمين "مصر" فى الخارج ، "هيئة الأمن القومى" مهمتها تأمين "مصر" داخلياً علشان كده حتلاقى تعاون كبير بينا و بين "وزارة الداخلية" و حتلاقى ظباط من البوليس معانا هنا ، و بالنسبة لتواجدنا الحالى فعلاً إحنا تحت الأرض بمسافة كبيرة ، و إحنا ما بنتعاملش بالرتب العسكرية هنا بل نتعامل بلقب "أستاذ" ، لا فرق بين "جندى" و "سيادة اللواء"لإننا كلنا فى خدمة "مصر" ، بالنسبة لوجودك هنا تم ترشيحك من سيادة اللواء"مدير إدارة الشئون المعنوية" فى إجتماع على أعلى مستوى لقيادات "الجيش" و "وزارة الحربية" و بعد تحريات مكثفة عنك تمت الموافقة علي إسمك ، و عملنا مجموعة إختبارات عليك لنتأكد من إنك حتوافق على الإشتراك فى عملنا و ألا مش فاكر "حضرة النقيب سراج" .
و هنا عادت بى الذاكرة لمقابلتى صديقى و زميلى "النقيب سراج" منذ عدة أسابيع فى "نادى الضباط" فى "مصر الجديدة" و الحديث الذى دار بيننا ، و كيف دار الحوار بيننا عن الأحداث المؤسفة التى تدور فى "مصر" من حوادث إرهابية تدمر بلدنا و تكاد تنهى أى فكر و مفكر فى وطنا الحبيب "مصر" ، و سؤاله لي كيف لو عرض علىّ عمل شئ لوقف العمليات الإرهابية هل أوافق ؟ ، حتى لو إضطررت لنسيان عملي السينمائي و البقاء طوال حياتي فى الجيش ؟ و كانت إجابتي له بالموافقة و قلت له إنني من أجل "مصر" أعمل أي شئ ، و قد كرر السؤال بشكل غريب و كنت كل مرة يكرر السؤال أجيب بنعم .
هنا قال لي "الأستاذ / نهاد" و هو ينظر لى مبتسماً :
-  إفتكرت بالتأكيد مقابلة "النقيب سراج" فى "نادى الظباط" يوم الخميس 9 نوفمبر1995 ؟
- أيوه "أستاذ نهاد" .
- "النقيب سراج" ما يعرفش حاجة عن وجودك هنا ، الموضوعات بتاعت شغلنا بتتم فى نطاق من السرية العالية جداً ، "سراج" كل اللى يعرفه إنك بتحب السينما و مستنى اليوم اللى ترجعلها لكن الموضوع اللى إتقاله لو تم وضعك فى خيارات بين رجوعك السينما و البقاء فى خدمة البلد عايزين نعرف يكون رده إيه ، و هو اللى إقترح إنه يسئلك عن الموضوع بالشكل ده ، المهم إنت دلوقت لك مطلق الحرية لو مش عايز تكمل معانا ، تقدر تخرج من هنا و ماعليكش أى حرج ، لكن لو قررت تكمل معانا إعرف إننا لا نحمل أي إمتيازات غير شرف خدمة بلدنا ، و ده شرف مش قليل ، بس للى يقدّر ، فلو قلت إنك حتشتغل معانا حأقولك إحنا بنعمل إيه بالظبط ، و لو حبيت تأخد وقت تفكر ، خد وقتك ، و حأنتظر ردك ، و لو موافق نبدأ الشغل على طول .
-  بالتأكيد انا موافق يا "أستاذ نهاد" ، و أنا تحت أمر "مصر" من دلوقت ، و يا ريت نبدأ الشغل حالاً .
- طيب ، أول حاجة فى الشغل هى بياناتك ، بمعنى حتقعد فى المكتب ده اللى هو من ساعة ما دخلنا و هو مكتبك و أفتكر خدت بالك إنى ما قعدتش على كرسى المكتب و قعدت قدامك علشان المكتب مكتبك يا "أستاذ نبيل" ، و دلوقتى المطلوب منك تكتب قصة حياتك من يوم مولدك لحد النهاردة ، عندك هنا فى الإدراج أوراق و إقلام ، ترموس شاى أخضر ، ترموس شاى برجموت ، ترموس قهوة عربى و تمر من النوع اللى بتفضله و و فى المينى بار ميه متلجة و كل المشروبات اللى بتحبها ، و فى الغرفة الملحقة بالمكتب حتلاقى كنبة مريحة جداً ، و طقم للبيت و شبشب مريح بدل ما تقعد بالبليزير الشيك و الجينز الغالى و البوت المتعب ، يعنى كل وسائل الراحة موجودة عندك و الراديو مظبوط على محطة الإذاعة الأوروبية اللى بتحبها ، كل المطلوب منك تقعد الساعتين دول تكتب قصة حياتك من أول ما إتولدت لحد النهاردة ، إحنا عندنا كل حاجة عنك ، لكن بالتأكيد من الأفضل سماعها من بطلها اللى عاشها خصوصاً إنه حيقدم لنا معلومات أكتر ، خد وقتك "أستاذ نبيل" ، المهم ما تنساش حاجة ، العربية حتاخدك من هنا الساعة تسعة و نص يعنى قدامك ساعتين و نص ، الدقة فى المواعيد هى أهم سمات شغلنا و إحنا عارفين إنك دقيق فى مواعيدك ، حأسيبك دلوقت خد راحتك و اكتب كل حاجة ، و لما تخلص حتضغط الرقم تسعة فى التليفون ده ، حأرد عليك قال هذا و هو يشير على تليفون على المكتب .
- سلام مؤقت "أستاذ نبيل" .
-  مع السلامة "أستاذ نهاد" .
بمجرد خروج "أستاذ نهاد" من غرفة المكتب جلست أكتب ما طلب منى كتابته على الفور ، لإننى قد تعودت عند الإستعداد للخروج أن أخذ وقتى فى الإستعداد بحيث إننى إذا إضطرتنى الظروف للبقاء فترة طويلة خارج المنزل لا أكون متعب من الملابس أو الحذاء أو غيره ، أو أحتاج للحمام أو لتناول مشروبات .
بدأت أكتب قصة حياتى و تذكرت أشياء كنت أظننى نسيتها فبدأت بالكتابة عن اللحظات الأولى لولادتى ، تلك المعلومات التى كانت حديث دائم بين أمى و أبى و جدتى أم أمى و كانوا يتذكروا تلك الأيام التى مرت عليهم فى أيام صعبة و أيام جميلة مرت بها بلادنا .
ولدت فى 23 أكتوبر 1970 بعد أيام قليلة من وفاة "الرئيس الراحل جمال عبد الناصر" و كانت أمى دائماً تقل لي إنها كانت تتمنى أن أحضر و لو يوم واحد في عهد "الريس" ، كانت تقول لى إن الشعب كله كان يحبه ، و قرب بلوغي عامي الثالث وقعت أعظم حروب التاريخ الحديث "حرب أكتوبر المجيدة" تحكى لي جدتي أم أبى ، كيف إن والدي عاد بعد حرب 67 و ملابسه العسكرية نظيفة و هو في حالة يرثى لها بسبب الهزيمة جلس صامت مهموم يرفض الحديث مع أحد و يرفض تناول الطعام ، و كيف حضرت سيارة من الجيش بعد أسبوع من عودته أخذته عدة أيام و لا يعلم أحد حتى اليوم أين ذهبوا به ، و لكنه عاد و قد بدأ يستعيد طبيعته قبل الحرب ، و تحكى لي أيضاً كيف عاد بعد أكتوبر و ملابسه العسكرية مليئة بالدماء و هو سعيد بالانتصار و نحن هنا نتحدث عن ملابس الميدان و ليس ملابس التشريفة المهندمة التي نراها ، و تحكى لي كيف قام البطل "الرئيس السادات" بالأخذ على عاتقه مهمة الحرب و تحرير الأرض ، ثم كيف كان خطابه القوى في مجلس الشعب ليقول في قوة إنه على أتم استعداد ليذهب إلى أبعد مدى ليذهب إلى إسرائيل نفسها من أجل السلام ، و نزول الطائرة المصرية فى مطار "بن جوريون" و كيف تم توزيع القناصة الإسرائيلين فى كل أرجاء المطار خوفاً من أن ينزل مع الرئيس السادات مجموعة من الصاعقة المصرية يقوموا بإغتيال القادة الإسرائليين ، كانت مصر قد سببت رعب ل"إسرائيل" ، ثم كيف كانت المناورات بين الثعلب الذكى "الرئيس السادات" و بين دهاة الساسة الإسرائيلين"مناحم بيجين" و ساسة "الولايات المتحدة" ، و ما بين هذا و ذاك كان حادث إغتيال "الشهيد يوسف السباعى" الذى هز والدى بشدة لإنه كان يعرفه عن قرب حيث تقابل معه عده مرات ، و تذكر أمى لى حالة والدى حينما قام بتجهيز قوات من الصاعقة للذهاب إلى مطار "لارنكا القبرصى" للثأر لذلك الحادث ، حيث صدرت له الأوامر لتجهيز أشد رجال الصاعقة للذهاب لرد الضربة ، و كان عليه تنفيذ التعليمات مهما كان عدم رضاه عنها ، كانت حياتى عبارة عن وصف لتاريخ مصر الحديث ، و هنا علمت لماذا طلب منى أبى و أمى عدم الإلتحاق بكلية عسكرية حتى لا أتعذب مثلما تعذب هو ، و لكن يبدو أن مصيرنا هو خدمة وطننا "مصر" و هو كما قال "الأستاذ نهاد" شرف كبير ، و هو بحق أعظم شرف ، و كان حادث إغتيال "البطل الشهيد الرئيس أنور السادات" ، و الذى لا زلت اذكر حين كنا نشاهد التلفزيون و كيف إنتهى بث العرض العسكرى و كيف كان حال البلد فى وجوم شديد و كانت الأجواء متوترة ، أذكر حتى اليوم مشهد الجنازة العسكرية للشهيد البطل ، و كتبت كيف كان لقائى بعد تخرجى مباشرة مع أحد الذين تولوا المناقشة مع قتلة الشهيد و هو "الدكتور محمد عمارة" المفكر الإسلامى و الذين كانوا لن يرتضوا غيره و قال لهم إن فتاوى"شيخ الإسلام إبن تيمية" لا تجوز على حكام هذا العصر من المصريين و كان المقصود بتلك الفتاوى التتر الغزاة ، ثم تناولت إنتقالى للدراسة فى الإعدادي و الثانوي ، و علاقاتى مع أصدقائى ثم قدمت بعض لمحات عن علاقاتى مع الصديقات فى النادى و المدرسة والمعهد و بعض العلاقات الخارجية العابرة كأن يأتى صديق فيطلب منى أن أخرج معه لإن صديقته ستحضر صديقة ، و هكذا كانت مراحل حياتى تتسم بالإحترام مع الأصدقاء ، حتى حينما حاولت صديقة أن تجرنى إلى علاقة غرامية وضحت لها إننى متفرغ للدراسة و تمارين النادى و الأجازة الصيفية تكون لممارسة عملية فى الخارج لللغة الأجنبية التى أدرسها فى فترة الدراسة ، و هكذا مرت حياتى ، بالطبع كانت هناك مغامرات لطيفة ، مثل إقتحام "قصر البارون إمبان" فى مصر الجديدة بجوار منزلنا و بعض المناوشات بينى و بين الأصدقاء و الصديقات و لكنها لم تتعد مرحلة الإحترام المتبادل كما لو كنت أعد نفسى لمكانة متميزة .
و قدمت حياتى فى "معهد السينما" كيف تعددت الصداقات و تعرفت على الكثير من أبناء الفنانين و الفنانات ، و المشاريع التى توليتها ، و قصة سفرى "الوادى الجديد" و كيف كانت تلك الرحلة من أجمل رحلات الدراسة و ما الذى رأيته هناك أنهيت كتابة قصة حياتى فى أقل من الوقت المطلوب مقدماً تفاصيل لكل شئ دون أن أهمل أي تفصيلة .
بمجرد إنتهائى رفعت سماعة التليفون و ضغطت على الرقم "تسعة" وجدت صوت "الأستاذ نهاد" يقل لى :
 خلصت يا "أستاذ نبيل" ؟
  خلصت يا أفندم .
حضر لى و هو يبتسم ببشاشة و هو ما رأيته طوال خدمتى معه بشاشة لا تفارقه ، بحيث تجد أصعب المهام تتحول إلى أسهلها ببشاشة هذه الشخصية الجميلة ، و التى كان لها أكبر أثر فى إنتقالى من "هيئة الأمن القومى" إلى "جهاز المخابرات العامة" أما كيف كان هذا ؟
فهذا ما سنعرفه فى الحلقات القادمة .
و إلى اللقاء فى الحلقة القادمة "الدرب الأحمر" .
+201223128543

هناك 5 تعليقات:

  1. مدونه قيمه
    شكرا لمجهوداتكم

    ردحذف
  2. موضوعات ممتازه جدا
    تمنياتنا لكم بالمزيد من التقدم

    ردحذف
  3. First of all I would like to extend my gratitude to the writer and the founder of this website, it’s very memorable music which running as a background and also it is a favorite music to a wide numbers of people which I felt that the writer can captured many hearts and minds in a the near future.

    About the story, it’s that type of action stories that can be filmed in future, and I believed that a writer like him if he have the luck to reach Hollywood, he will have a chance to create a good stories in the movie films.
    I am looking forward to reading the full parts of his story. Very impressive!!!

    Charita Seymour
    Darwin,NT
    Australia
    charitaseymour@hotmail.com

    ردحذف
  4. أخبار أشكرك بشدة

    هى مدونة تم تحويلها لويب سايت

    تحياتى و شرفت بتعليقكم

    ردحذف