الأربعاء، 27 أكتوبر 2010

أمن قومى الحلقة الثالثة نزهة فى باريس

أمن قومى
الحلقة الثالثة 

 نزهة فى باريس

 


أخذت رقم موبيل"مريم" و إتفقنا على المقابلة فى "روموفتار" كان الموبيل لم ينتشر بشكل واسع النطاق فى ذلك الوقت من عام 1997 ، و لولا ظروف عملى فى التصدير لما قمت بإمتلاكه وكذلك هى ، لولا إرتباطها بالتواجد فى فرنسا لما كان معها . و الموبيل قد يسر علينا أمور كثيرة فى مهامنا الخاصة حيث أن حمل موبيل أكثر أماناً من حمل جهاز لاسلكى مهما صغر حجمه فهو يثير التساؤلات ، و فيما بعد أصبح الموبيل هو وسيلة الإتصال الأساسية فى مهامنا بعد تصميم شفرة خاصة بحيث يبدو الكلام عادى دون أن يلفت الحديث إنتباه أى شخص ، فى حين يكون الموضوع الذى تتحدث فيه مع الطرف الأخر بالغ السرية .
 بعدما تركت "اللوفر" و أنأ فى طريقى إلى الفندق فى "النورد" كان علىّ أن ابلغ "القاهرة" بذهابى فى لقاء خاص جداً ، كنت أعلم أن هناك من يتتبعنى لتأمينى ، و لم أكن أشغل بالى بذلك الأمر و لم أهتم بمعرفة شخصيته ، خصوصاً و أنا أعلم إنه شخصية متغيرة ، و كانت مكالمتى للقاهرة لتأمينى الشخصى و قد وضح فى كلمات بسيطة أنهم عرفوا لقائى ب"مريم" و أنها شخص فوق مستوى الشبهات ، إرتحت لذلك فكان الأمر بالنسبة لى أكثر من مجرد لقاء فتاة جميلة ، كان تفكيرى يذهب لأبعد من ذلك ، و هو ما سيتضح لنا بعد قليل خصوصاً إن "القاهرة" كانت لا تمانع ذلك الأمر .

وصلت الفندق فى"النورد" و توجهت إلى المطعم لأتناول وجبة الغذاء ، كان كل من فى المطعم من موظفين يسعوا لخدمتى بعدما وقع حادث إعتبرته بسيط  لكنه ترك أكبر الأثر فى كل العاملين بالفندق حيث وقع الحساء الساخن من إحدى المضيفات على ملابسى ، و صممت مديرة و صاحبة الفندق على طردها فقلت لصاحبة الفندق الجميلة فى هدوء :
- لو كان هناك من يستحق الطرد فهو أنا ، لأننى من تسبب فى وقوع الحساء على ملابسى و تحطيم أنية الحساء .
فكان ردها إنها تعتذر لى لإننى عميل دائم عندها و لا يمكن أن                        تفعل شئ طالما أنا لا اشكو .
و إنتهى الموقف و لكنه - كما قلت - ترك إنطباع جيد فى نفوس كلالعاملين بالفندق حتى أصبح كل  فى الفندق يتسابقوا لخدمة ذلك المصرى المهذب ، و كان هذا أهم ما ارغب فيه و هو ترك إنطباع جيد عن بلدى"مصر" ، مما جعل الكثيرين يقولوا لى إنهم يرغبوا فى أخذ رقم هاتفى فى مصر لإنهم حين يقوموا بزيارتها سيسعدوا بمقابلتى .


أنهيت الغذاء و صعدت إلى غرفتى ، و بعدما تأكدت من تأمين الغرفة ،غيرت ملابسى و إستعددت للنزول ، إستخدمت عطر حديث و هو "سكلبتشر" ، كنت أستمتع بوضع العطور بشدة لأنه حينما أبدا إحدى المهمات الخاصة لا أضع أى عطر و حتى كريم بعد الحلاقة الذى به رائحة عطرية لا أقوم بإستخدامه ، لأن المعلومات العلمية الحديثة التى تدربنا عليها كانت تثبت إنه يمكن تتبعك من خلال الرائحة ، و لذلك كنت أستمتع بإستخدام عطورى المحببة فى فترات الراحة بعد إنتهاء المهام المكلف بها .
نزلت و أخذت سيارتى المؤجرة ، كنت أستخدم المترو فى تنقلاتى فى "باريس" فترة الصباح برغم وجود السيارة معى ، و ذلك لصعوبة وجود مكان للإنتظار فى"باريس" ، و لكن فى حالة سهرى بالخارج ، كان لا بد من الذهاب بالسيارة حتى لا أضطرلإستخدام التاكسى لتكلفته الباهظة و حتى لا اكون سهل فى التتبع .
إتصلت ب"مريم" لأتاكد من إنها مستعدة للخروج للنزهة ، فأكدّت لى أنها جاهزة ، وصلت"مونبرناس" فى خلال ساعة ، رأيت "مريم" تقف فى البلكونة التى تحيط بها الورود الحمراء و هى علامة معروفة فى كل شرفات "باريس" ، نزلت فترجّلت من السيارة لأفتح لها الباب حسب الإتيكيت المتبع ، و لأول مرة نتواجه بمعنى أن نقف قريبين من بعض وجهاً لوجه نبحث عن حقيقة كلاً منا من خلال النظرات المتبادلة بين أعيننا و كانت عيناها جميلتان براقتان ، أنهيت تلك الوقفة بحديث بسيط :
- تحبى نروح "رو موفتار" الأول نأخد درنك و ألاّ "سان ميشيل" على طول ؟
-  زى ما تحب ، أى مكان حنكون فيه مع بعض حيكون ظريف ، إنت عارف ما بقعدش مع حد من ريحة الحبايب وإنت ريحة الحبايب أوى ، بس إيه البارفان الروعة اللى إنت حاطه ده ؟
-        "سكلبتشر" نوع جديد ، لسه نازل ، إمبارح كنت فى محلات"شارل و راؤؤل" وعرضوه على عشان جديد .
-  ده إنت شكلك تعرف كل حاجة فى "باريس" ، إنت جيت كام مرة و بتشتغل إيه و إيه حكايتك ؟
-   برئ يا بيه ما عملتش حاجة ، ده هو مش أنا .
تبادلنا الضحكات و كنا قد وصلنا إلى"رو موفتار" كان هناك مقهى أفضله أكثر من غيره من المقاهى المنتشرة فى ذلك الشارع الهادئ الممتلى بكافة انواع البشر و بعازفى "موسيقى الجاز" جلسنا و طلبت هى "نسكافيه" و أخذت أنا "إسبريسو" تلك القهوة التى أصبحت أعشقها ، وجدتها تنظر لى و تسألنى :
-        ممكن أعرف حكايتك إيه بالظبط ؟
-        لو حضرتك تقصدى مقابلتنا الكام مرة اللى فاتوا ، كانوا صدف ، بس بينى و بينك صدف سعيدة .
-        ميرسيه ، طيب . بتعمل إيه فى باريس ؟ و بتشتغل إيه ؟ و دراستك إيه ؟ و ليه كنت فى مدرسة القفز بالبراشوت ؟ و كنت بتعمل إيه فى حفل مهرجان السينما ؟ و الأهم إنت مرتبط ؟
-        ههههههههه ، حأرد على السؤال الأخير و بعد كده حأرد على سؤال سؤال من السؤال الأول للسؤال الأخير .
-        إنت لحقت تحفظهم ؟
-        أيوه أصلى كنت أدبى ، بس بأحفظ و بأفهم ، مش بأحفظ بس . إشتركنا فى الضحكات و كانت ضحكتها جميلة ، و بدأت الإجابة فقلت لها :
-        أنا مش مرتبط لإنى لو مرتبط ، مش حينفع أقعد مع حضرتك لإنى مقتنع بأنى علّى أن أكون لإمرأة واحدة فقط و مش معنى إنى بعيد أعمل اللى انا عايزه ديه رؤيتى الشخصية .



-        هايل ، يا ريت كل الرجالة تفكر زيك كده .
-        بالنسبة لزياراتى ل"باريس" جيت كتير قبل كده و دلوقت أنا فى "باريس" فسحة بعد ما خلصت موضوع شغل فى ألمانيا و هولندا ، و بالنسبة للشغل بأشتغل المدير التنفيذى لمؤسسة تمتلكها أسرتى خاصة بتصدير المواد الغذائية المنتجة من أرض العائلة بعد تعليبها فى مصنع نمتلكه ، أنا خريج معهد السينما وعملت فى المجال سنة واحدة وتركته ، كنت فى مدرسة المظلات لإنى لما خلصت الدراسة دخلت كلية ظباط الإحتياط لإن تجنيدى كان ظابط و أخدت فرق كتيرة منها فرقة المظلات ، و كنت فى زيارة للمدرسة و صمموا لازم أنط بالبراشوت كنوع من المجاملة لىّ لإنهم عارفين مدى عشقى للقفز بالمظلة ، و لإنى خريج معهد السينما فمرتبط بالفن و عضو فى نقابة السينما و لىّ اصدقاء فى المجال فيتم إرسال دعوة الإفتتاح ليّ سنوياً ، بيتهيالى الأجوبة كانت على كل الأسئلة ، مافيش سؤال ناقص ، صح ؟
-        صح ، إنت هايل ترتيب أفكارك متميز و ذهنك صافى و يقظ و حس الدعابة عندك عالى .
-        أعتبرها مغازلة حضرتك ؟
-        إعتبرها بس بدون حضرتك ، إسمى "مريم" .
-        أوكيه "مريم" ، ممكن أعرف حكايتك ؟
-        حكاية مين يا سيدنا ، ده إنت اللى حكاية ، كل ده إنت ؟ أنا لا شئ بالنسبة لك ، أنا عشت حياتى فى "مصر الجديدة" زى ما قلتلك لما إتعشينا هناك من كام سنة ، و لإن إخواتى كبار فكنت بأحس إنى وحيدة دايماً وكنت أحب أعتمد على نفسى فكنت بأتصرف زى الكبار ، و عمرى ما حسيت بطفولتى ، و لإن بابا "سفير" فكنا بنضطر نسافر كتير و نتنقل من بلد لبلد فماكنش ليا أصحاب كتير ، و لم أمر بتجارب حب فى حياتى ، يعنى ممكن تعتبر نفسك قاعد مع "شكرى أفندى" أو "الغفير صميدة" يعنى فى الباسبور أنثى و اللى يشوفنى يقول"واو رائعة" ، لكن لما تتعامل معايا حتلاقينى ما أختلفش عنك كتير فى طريقة التعامل و ده اللى خلانى صمدت فى الحياة فى أوروبا و لم يجرفنى الإنفتاح فى الحياة و الصداقات المختلفة ، و إنت عارف بأقصد إيه ، و ده اللى خلانى أخرج معاك النهاردة لإنى لقيت شخص مختلف عن كل اللى بيحاول يقرب و يتلّزق فى إنثى ، و عشان كده كنت بأنط بالبراشوت عشان بأقول لنفسى و للناس اللى حواليا ما فيش فرق بين الولد والبنت ، و لما إتكلمت معايا قبل القفزة الممتعة حسيت إنى بأتعامل مع شخص مميز و إتمنيت لأول مرة فى حياتى أتعرف على شخص معين و هو إنت ، صدقنى مش عارفة بأقولك الكلام ده ليه ، يمكن تكون أول مرة أستريح لإنسان ، يمكن لقاءاتنا الغامضة اللى وقتها مش كتير و ما بنتقابلش غير كل كام سنة مرة ، يمكن كلامك اللطيف فى "اللوفر" أو طريقتك لما قلتلى "يا بلية" و إحنا فى طيارة "القفزة المثيرة" ، صدقنى يا "نبيل" كنت أتمنى أقابلك بعدها على طول ، لأول مرة فى حياتى ألاقى نفسى مشدودة لراجل ، بعد القفزة سئلت عنك و لم أصل لأى معلومة ، و فى حفل إفتتاح المهرجان كنت بأبص عليك و إنت داخل فى هدوء لابس توكسيدو رائع ، و لما جيت أقعد جنبك بعد بداية عرض الفيلم ما حاولتش تبصبص على الأنثى اللى جنبك ، بتتفرج على الفيلم بتركيز شديد حسيت أد إيه إنت حساس ، أسفة أنا لأول مرة بأطلع كل مشاعرى لراجل ، يمكن اكون طلعت مشاعر مسكاها بقالى سنين بأخاف أطلعها علشان ما تتفهمش غلط أو يتم إستغلالها ،أكيد بتقول عنى رغاية .
-        ههههههههه ، لا يا "مريم" مش رغاية و لا حاجة ، أنا عارف شعورك كويس ، شعور شخص ساكت طول حياته يتمنى يتكلم يقول اللى جواه ، لما بيلاقى حد يستريح له يتكلم و يطلع مشاعره ، إنتى أجازة بكرة بس ؟
-        عايزنى أخد كام يوم أجازة ؟
-        والله كله يبقى من كرم أخلاقك ، أنا قاعد فى باريس إسبوعين زي ما قلتلك ، فشوفى إنتى بقى ؟
-        شوف لو كان شغل كان ممكن أخد أجازة سنوية لكن إنت عارف ديه دراسة يعنى ما أقدرش غير يومين بس و حأروح الأول أستأذن من أستاذ التخصص و أتمنى يوافق على طول .
-        طيب ، المهم ياللا بينا على "سان ميشيل" و ألا مش جعانة؟
-      أنا ما أكلتش لما روحت ،لإنى كنت بأجهز للنزول ، مش علشان الماكياج ، لا ، علشان بأفكر فيك ، إنت مش عارف إنت عملت إيه فيا ؟
إبتسمت لها و لم أعلق ، فقد إستولت على مشاعرى كلها بكلماتها البسيطة الطيبة ، كانت المرة الأولى التى أتعامل فيها مع أنثى دون الحذر من أن تكون عميل للخصم فبعدما أخذت الضوء الأخضر من "القاهرة" كنت سعيد بتمتعى بتلك الصداقة ، أنهينا المشروبات ، تحركنا إلى "سان ميشيل" لتناول العشاء فى المطعم اليونانى الذى أعشقه و رقصنا على الموسيقى اليونانية و لم أستمتع فى حياتى كلها مثلما إستمتعت فى تلك الليلة و الليالى التالية فقد كنت أعشق "باريس" و قد زاد عشقى لتلك المدينة بعد تعرفى ب"مريم" و الأيام اللطيفة التى قضيناها فيها ، كانت بمجرد إنتهاء دراستها العملية صباحاً فى "اللوفر" تجدنى أنتظرها عند "الهرم الزجاجى" كنا نتمشى حتى سيارتى وكنت أتركها تختار أين نقضى الليلة فليلة نذهب ل"فرساى" و ليلة سهرة عند "المسلة المصرية فى ميدان الكونكورد" وليلة فى "الشانزليزيه" و ليلة فى "غابات بولونيا" ، و فى نهاية الإسبوع قالت إنها تعد لى مفاجأة قائلتة لى :
-     ما تجليش بعربيتك بكرة عند البيت عندى أنا اللى حأجيلك و إلبس لبس كاجوال علشان فيه مفاجاة حلوة عملهالك ، كنت أفكر و أحاول إستنتاج ما نوع المفاجأة التى تعدها لى .



و لم أطل التفكير والإستنتاج فقد كانت الأيام تجرى بسرعة بلطف و كنت أريد أن أريح ذهنى ، ففى عملنا يكون الذهن يعمل بسرعة غير عادية و كما يحتاج الجسد للراحة فكذلك العقل .
و فى يوم الأحد فى تمام السابعة صباحاً وجدتها تقف بسيارتها أمام الفندق فى "النورد" كانت ترتدى ملابس كاجول لأول مرة و ترتدى "فست" من نوع خاص و قالت لى :
   - تعرف إحنا رايحين فين ؟
   - رحلة صيد .
-        إيه اللى عرفك ؟ ! ! ! قالتها مندهشة .
-        الفست اللى إنتى لابساه يخص رحلات الصيد .
-        إيه المعلومات الروعة ديه ، إنت ما فيش حاجة ما تعرفهاش ؟
-        حضرتك ناسية إنى كنت فى كلية ظباط الإحتياط ؟ يعنى كنت بأضرب نار .
-        أيوه صحيح .
-        و كنا بنطلع رماية كتير و كنت البرنجى ، تعرفى يعنى إيه البرنجى ؟
-        يعنى نمرة واحد ههههههههههههههههه قالتها وهى تضحك وترفع إبهامها الأيمن علامة الإمتياز ، و كما لو كنت أكتشف أن ضحكاتها رائعة نظرت لها و انا صامت فقد إمتلكتنى ضحكتها اللطيفة و لما لاحظت هى  ذلك قالت لى :
-        "وله" فيه إيه ؟
-        تتجوزينى ؟
-        نعم يا أخويا ؟
-        تتجوزينى يا "مريم" ؟
-        إنت فاكرنى علشان عايشة فى أوروبا يبقى ماليش أهل ؟ روح أطلبنى من بابا .
-        حأعمل كده طبعاً ، بس بأخد الموافقة المبدئية منك ، تتجوزينى ؟
-        أتجوزك ؟! أكيد . . . طبعاً . قالتها و هى تنظر لى نظرة لأول مرة أراها في وجهها ، نظرة أنثى فاتنة .
وفى القاهرة و بعد مقابلة أهلها و موافقتهم و الإتفاق على الزواج بحضور أهلى تم الزواج وقضينا شهر عسل ما بين "باريس" و "بلجيكا" تمتعنا فيها بشكل رائع ، بعدها عدت إلى مهامى الوظيفية ما بين المؤسسة و العمل السري ، كان لا أحد يعرف شئ عن عملى و ذلك لطبيعة عملى السرية و لتأمين كل أهلى .
و كانت أول مأمورية أكلف بها بعد الزواج فى غاية الصعوبة ، ففى البداية كان الأمر يخصنى وحدى أما الآن أصبح علّى أن أخفى أشياء عن شريكة حياتى ، فكانت الصعوبة ليست فى أدائى المهمة ، لكن فى إخفاء طبيعة عملى عن شريك حياتى الذى يرافقنى فى كل خطوة .

فماذا سيحدث ؟

هذا ما سنتابعه معاً فى الحلقة التالية .
محمد أحمد خضر


+20123128543

هناك 7 تعليقات:

  1. باااااااااريس ياللروعة

    ردحذف
  2. روعة و ممتعة تصف باريس بشكل مذهل فأنت تعرف خباياها أكثر من اللى عاشوا فيها سنين و القصة فى كل لحظة حاجة جديدة كانى بأتفرج على فيلم سينما مدهش مشوق و ممتع

    ردحذف
  3. مدونه ممتازه
    شكرا لمجهوداتكم

    ردحذف