السبت، 23 أكتوبر 2010

أمن قومى الحلقة الثانية لقاء فى اللوفر


أمن قومى

الحلقة الثانية
لقاء فى اللوفر
توقفنا فى الحلقة الأولى حين عدت بالذاكرة فى حياتى الشخصية حينما أتممت الدراسة الثانوية طلبت من أبى الموافقة على إلتحاقى بالكلية الحربية فتناقش معى بحضور أمى محاولاً إقناعى بالعدول عن تلك الفكرة لأنه لا يرغب فى أن أرى الموت أمام عينى كما راه هو مرات عديدة أثناء خدمته .
كنت قد وصلت إلى شركتى و قمت بتسليم الأعمال إلى المدير العام المسئول و أبلغته بسفرى بنفسى لإنهاء إجراءات الجمرك فى ميناء الأسكندرية و بذلك أستطيع السفر بمفردى للساحل الشمالى لإعداد خطة التنفيذ مستغلاً وجود أعمال يتم إنهاءها فى ميناء الأسكندرية لأسافر تحت غطاء أمنى من نوع فريد ، كنا نقوم بالتصدير لا الإستيراد و هذا ما كنت أحبه فأنا أعشق مصر و أعلم أن بها من الخير ما يجب على كل فرد من أهلها إستغلاله لخير البلد كلها بحيث تكون مكانتنا كما كانت دائماً . تحركت إلى المنزل و أثناء نزولى من السيارة شاهدت "شادى" و "شيرويت" أبنائى عائدين من المدرسة و ما أن شاهدونى أثناء نزولهم من أوتوبيس المدرسة حتى هجموا علّي حيث قام "شادى" بالقفز قفزة جهنمية ليصعد فى لحظة واحدة أعلى أكتافى ، فى حين قامت "شيرويت" بتوجيه لكمة بقبضتها إلى معدتى بالضبط فمثلت إننى متالم بشدة ووجهت لها الكلام قائلاً :
-        أه يا بطنى يانى ، هى ديه التحية بتاعت حضرتك بوكس قاسى يحتاج علاج واحد وعشرين يوم يعنى ممكن أرفع على حضرتك قضية ونقف قصاد بعض فى المحاكم و أجردك من كل ممتلكاتك من "باربى" و "البينك بانتر" و كل حاجة و تقعدى من غير لعب و كمان عشان انا مفترى حأخدهم و أقعد ألعب بيهم فى أوضتى مع مامتك .
-        ما تقدرش .
-        ليه ؟
-     عشان أنا رافعة عليك قضية عند مامتك وغالباً حضرتك خسرتها و مافيش إستئناف .
-     طيب إيه دوافع القضية ؟ قلت هذا و أنا أنزل "شادى" من على كتفى لندخل البيت و كان الحارس قد أخذ شنط الأولاد فى حين حملت انا شنطة "اللاب توب" و التى لا أدع أحد يحملها لى ، دخلنا المصعد وجدت "شيرويت" تنظر لى وهى مقطبة حواجبها الرقيقة فقلت لها :
-        طبعاً حاسة بالذنب إنك ضربتى واحد مسكين زيي لسة راجع من شغله ، بس أنا مسامح .
-        سامح إنت زي ما أنت عايز بس أنا مش مسامحة .
-        مش مسامحة فى إيه يا ست "شيرويت" ؟
-        مش المفروض حضرتك كنت حتحضر حفلة المدرسة الإسبوع اللى فات ؟
-        طب ما أنا حضرتها .
-        ماشفتكش !
-        أنا جيت و شفت أغنيتك بأمارة لما كانت "ميس دولت" بتشاور من ورا الكواليس  و كان فيه واحد من زمايلك بيحرك شفايفه من غير ما يغنى و"صدفة" صاحبتك الأنتيم كانت لابسة شراب أحمر ، أنا جيت بس مشيت بعد فقرتك على طول علشان كان عندى إجتماع فى الشغل ، كدا يبقالى عندك حق عرب يا "عم شيرويت" ، ثم وجهت كلامى لأخوها :
-    ما تحضرنا يا "عم شادى" و ألا يرضيك أبوك يتبهدل و يتجرجر فى محكمة تيتة ؟
ضحك "شادى" وكانت ضحكته لذيذة جداً ووجهه تضرج بالإحمرار من الضحك ثم قال :
-       أنا قلتلها الكلام ده بس هى يظهر راسمة على حاجة ما إنت عارف الستات يا "عم بلبل" .
-        طب بما إنك قلت الكلام ده ، يبقى اكيد عارف "الست شيرويت" راسمة على إيه ؟
-        راسمة على خروجة و مرواح سينما وفسحة فى النادى .
-        ديه راسمة على تقيل أوى أنا قلت فشار وغزل بنات بس .
نظرت لها مبتسماً وأنا أقول :
-        طيب ممكن نحدد الميعاد ؟ و لو حنعتبر ده راندفو بينى و بين حضرتك يبقى مش حناخد "ماما" و"شادى" معانا وألا ناخدهم ونعتبرها فسحة على حساب حضرتك ؟ ده طبعاً بعد إذن "شادى بيه" .
نظرت "شيرويت" مبتسمة و قامت بتقبيل بطنى التى ضربتها منذ قليل بالبوكس قائلة لى :
-        هى الضربة جامدة ؟
-        جداً . هو حضرتك مش فى فريق الجمباز برضوا و ألا فى فريق البوكس كمان و ألا جدك بيديكى تمرينات فى البوكس ؟
كنت أقول لها هذا و قد وصلنا بالمصعد للدور الذى نسكن فيه فقالت لى :
-        هى الضربة وجعتك أوى ؟
-        جداً مش متخيل إنها ضربة من بنتى حبيبتى ده أنا إفتكرت "محمد على كلاى" اللى بيضرب البوكس . عارفاه ؟
-        طبعاً . كتب المعلومات العامة و السي ديهات اللى ماما بتجيبهالنا و اللى بتهتم بيهم زى كتب المدرسة و أكتر بتخلينى أعرف كل حاجة ، و ممكن أتكلم مع حضرتك فى "النظرية النسبية لإينشتاين" و فيلم"المدرعة بوتمكين لإيزنشتين" .
نظرت لها فى فخر ثم وجهت نظرى ل"شادى" ، فوجدته يتحدث عن "محمد على كلاى" و معركته الأخيرة التى سقط فيها بالضربة القاضية أمام "هولمز" و كيف كانت تلك المباراة صدمة للمشاهدين حول العالم ، ثم وجدته يتحدث حول أصول و قواعد الملاكمة و كيف يتم إحتساب النقاط لصالح الخصمان ، كنت فى حالة فخر بأبنائى فهما ما تمنيت الحصول عليه ، و كنت فخور بزوجتى التى كان عليها عبء ضخم ، فلسفرى فترات كبيرة خارج البلاد تكون هى المسئولة تماماً عنهم و قد فضلت أن تتواجد فى منزلنا بدلاً من أن تذهب عند أهلى أو عند أهلها و الإثنان بجوارنا فى مصر الجديدة ، و كان تواجدها فى المنزل يجعلها تتفرغ لكتابة كتبها فى التخصص النادر التى تخصصت فيه بالكلية فى جزء خاص فى علم المصريات و قد أخذت عنه دورة متخصصة فى "متحف اللوفر" حيث إلتقيت بها للمرة الثالثة و التى كانت المرة التى قررنا فيها الزواج ، كنت قد إتفقت مع أولادى على الخروجة و تم تحديد موعدها و دخلت لأخذ الدش لأستعد للغذاء و حينما حضرت لى زوجتى بعدما إطمئنت على الأولاد ، كنت قد خرجت من الدش و حينما رايتها شعرت كما لو أننى أراها للمرة الأولى أثناء قفزنا بالمظلة فى إحدى الدورات ، لم أكن أتوقع أن تكون معنا أنثى و أنثى بذلك الجمال كنا فى الطائرة كان دورها بعدى مباشرة فى القفز فوجدتها تقل لى :
-        إوعى تكون خايف ؟
-        أنا خايف إن حضرتك اللى تكونى خايفة رددت عليها مبتسما .
-        طيب طالما مش خايف تيجى ننط مع بعض ماسكين إيد بعض ؟ قالتها و هى تنظر لى نظرة تساؤل .
كانت المرة الأولى التى يعرض علّى أحد فيها القفز معه و من تكون إنها أنثى و إنثى رائعة الجمال .
-        بس أصل حضرتك ؟
-        عشان بنت يعنى ؟ ما فيش فرق بين الولد والبنت فى الباراشوت يا باشمهندس .
-        وجدت نفسى أبتسم من قولها يا باشمهندس فقد أشعرتنى إننى اكلم "بلية" صبى الميكانيكى .
-        طيب يا "بلية" قلتها و أنا أمسك نفسى من الضحك .
-        نعم يا أخويا ؟
-        أصل حضرتك بتقوليلى يا باشمهندس فحسستينى إنى بأكلم "الأسطى حمدى العجلاتى" ؟
نظرت لى مبتسمة وهنا شعرت بأنوثتها التى تريد إخفاءها خلف شخصية قوية .
-        بأقولك إيه ، حتنط معايا و ألا انط لوحدى ؟
-        أنط مع حضرتك ؟
فخلعت القفاز من يدها اليمنى و مدتها لتصافحنى قائلة لى :
-        "مريم" إسمى "مريم" ، وحضرتك ؟
خلعت قفازى بدورى و مددت يدى إليها قائلاً :
-        نبيل .

تصافحنا و قفزنا معاً فى نفس اللحظة نمسك أيدى بعض و كانت قفزة مدهشة و ممتعة و لم أقابلها بعد تلك القفزة المثيرة ، حتى كان عام 1994 كنت أحضر حفل إفتتاح "مهرجان القاهرة السينمائى" و بعد إنصراف أغلب الضيوف وجدت صوت رقيق يسألنى :
-        فيه حد قاعد جنب حضرتك ؟
تعجبت من السؤال لإن أغلب كراسى القاعة كانت فارغة فلماذا تسألنى هذه السيدة هذا السؤال و لأن الظلام كان دامس و ذلك لبدء عرض الفيلم لم أتعرف على صاحبة الصوت و كنت منتبه طوال العرض للشاشة حتى إنتهى العرض و كان فيلم ممتع و حين هممت بالقيام فؤجئت بإن التى كانت تجلس بجوارى هى "مريم" و كان لقاء طيب تحدثنا فيه عما فعلته بعد القفزة و عن دراستها وعن دراستى و كيف إنها تضايقت إنها لم تجدنى بعد تلك القفزة معها و عرفت إننى كنت قد تخرجت من الدورة و حضرت بالصدفة ذلك اليوم لتحية أصدقائى فأصروا أن يحتفوا بى و أن أقفز مع الطلبة الجدد ، دعوتها للعشاء و فعلاً ذهبنا إلى أحد المطاعم الشهيرة فى "مصر الجديدة" حيث عرفت أنها ولدت فى ذلك الحى و تعيش فيه كذلك ، و كذلك انا ولدت وأحي فى مصرالجديدة فى منطقة "العروبة" و بدأنا نتبادل الذكريات فوجدنا أن هناك قواسم كثيرة مشتركة بيننا ، و كذلك هناك العديد من الأصدقاء المشتركين و برغم ذلك لم نلتقى غير مرة واحدة و فى مكان لا يشترك فيه أحد من الأصدقاء المشتركين بيننا و بدأ كلاً منا يشعر بالإرتياح للأخر و إنصرفنا على وعد بلقاء لم يتم ، لأننى كنت فى السنة الأخيرة فى الدراسة و كنت أرغب فى الحصول على تقدير عالى ، و هى سافرت أثناء الدراسة إلى الخارج مع أهلها حيث يعمل والدها سفيراً لمصر فى أوروبا ، ثم كانت المرة الثالثة و أنا فى إحدى السفريات للراحة بعد مامورية متعبة كادت تؤدى بحياتى ، فقررت التوجه إلى المدينة التى أعشقها منذ صغرى و هى "باريس" و فى يوم أخذت المترو و هو وسيلة الإنتقال الأساسية فى "باريس" و توجهت إلى "متحف اللوفر" و محطة المترو داخل المتحف ، وأثناء تجولى فى قسم المصريات كنت أرجع بظهرى فإصطدمت بشخص إلتفت لأعتذر له  لكننى لم افعل فقد فؤجئت بإنها "مريم" فقلت لها مازحاً :
-        حضرتك "مخاوية"  ؟  فى كل مكان أروحه ألاقيكى ؟
-        أيوه مخاوية عفريت إسمه"عفركوش بن برطكوش" إسمه "الإنسى نبيل" تعرفه ؟ قالتها و هى تبتسم إبتسامة ساحرة.
-        يا سلام هو مين اللى ماشى ورا التانى ؟ طلعتيلى فى "السما" و طلعتيلى فى "السينما" و طلعتيلى فى "اللوفر" تلاقيكى طلعتى من تابوت يعنى حضرتك اللى مخاوية و أردفت قائلاً حتى لا يضايقها مزاحى :
-        بس عفريتة حلوة قوى رائعة الجمال .
-        غريبة أنا إفتكرتك ما بتعرفش تغازل ؟
-        بأعرف . لكن كنت خايف أضايقك ، بس لما لقيتنى بأقابلك بالشكل الغريب ده كل كام سنة قلت اقول الكلمتين اللى نفسى أقولهم من أول مرة شفتك فيها و سحرنى جمالك و ثقتك فى نفسك و إحترامك . حضرتك فى فسحة هنا ؟
-        لا أنا فى دراسة فى تخصصى فى علم المصريات .
-        طيب يبقى مش حأعطل حضرتك .
-        حضرتك قاعد فى باريس أد إيه ؟
-        حأسافر كمان إسبوعين ؟
-        طب إيه رايك نتقابل النهاردة ؟
-        حضرتك ساكنة فين  ؟
-        فى "مونبارناس" ؟
-        و حضرتك الأوتيل فين ؟
-        فى "النورد" .
-        طيب نتقابل فى "رو موفتار" النهاردة الساعة 8 بالليل .
-        موافق ، بس إعملى حسابك أنا عازم حضرتك على العشاء فى المطعم اليونانى فى "سان ميشيل" .
-        موافقة ، و الغداء بكرة على حسابى فى "بينو بيتزا" فى الشانزليزيه عشان بكرة الحد يعنى أجازة ليّ ، موافق ؟
-        بالتأكيد ، مجرد وجودى مع حضرتك أمر ممتع لي .
إنصرفت و تركتها لعملها حتى لا أعطلها و كان لقاءنا التالى ممتع و كان الوقت الذى أمضيه معها غير عادى فما بين الفسحة و الضحك والثقافة الضخمة التى تتمتع بها كان تعارفنا أكثر ، و كانت تتعجب من معرفتى بكل شوارع "باريس" أكثر منها هى التى عاشت فى "باريس" فترة طويلة من حياتها ، أرادات أن تعرف حكايتى مع "باريس" فقلت لها و كان ما أقوله لها صادق فأنا أبداً لا أكذب ، قلت لها أن هناك أعمال كثيرة لى فى "باريس" و كل أرجاء "أوروبا" و عمليات التصدير التى تقوم بها الشركة تجعلنى أتواجد فترات كثيرة فى أوروبا و بالأخص "باريس" التى تعتبر مركز تصدير منتجاتنا الزراعية إلى أوروبا كلها ، كانت هذه حقيقة فنحن نمتلك أراضى شاسعة ونهتم بزراعتها بأحدث الطرق و نمتلك مصنع ، و كان هذا ما أتاح لى أن يكون لى غطاء أمنى لا يمكن الشك فيه أثناء أدائى المهمات التى أكلف بها من أجل وطنى "مصر" .
و إلى اللقاء فى الحلقة الثالثة .
محمد احمد خضر
+201223128543

هناك 4 تعليقات: